ذلك ، ولا يتوقف أمام هذه التعقيدات الواقعية ، بل يتابع مسيرة رسالته ، لأن العاقبة له ، أمّا هؤلاء ، فإنهم سيواجهون اليوم الذي يصعقون فيه ، وسيتحطم كيدهم على صخرة الحقيقة الأخروية أمام الله.
(فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ) عند ما ينفخ في الصور ، فيصعق من في السماوات والأرض ، (يَوْمَ لا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً) لأن مكر الدنيا لا يمكن أن يترك أيّ تأثير إيجابيّ لمصلحة الماكرين ، (وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ) لأنهم لا يملكون أيّة قوّة من أيّة جهة كانت ، فمن يمكن أن يحميهم من الله ، فهو يملك القوة جميعا.
(وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذاباً دُونَ ذلِكَ) ويقال إنه عذاب القبر ، (وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) لأنهم غارقون في ضلالهم وغيّهم وعنادهم ، (وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ) في ما قدّره الله من حركة الرسالة في مواجهة خصومها ، ومن المشاكل التي تواجه النبي في ساحة الدعوة والجهاد ، (فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا) التي ترعاك وتحميك وتحفظك وتراقب كل خطواتك وصبرك في مواقفك ، (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ) فإن التسبيح الذي يختزن حمد الله في داخله ، هو الذي يملأ الروح والعقل والقلب اطمئنانا وصبرا وانفتاحا على الأمل الكبير في رحاب الله ، (حِينَ تَقُومُ) في صلاتك التي هي معراج روح المؤمن إلى الله ، (وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ) في صلاة الليل وفي ابتهالاته وخشوع الروح فيه ، عند ما تهدأ الأصوات ، ويسكن الجو ، وتصفو القلوب في هدوء السحر ، (وَإِدْبارَ النُّجُومِ) عند ما تختفي الكواكب مع ضوء الصبح ليبدأ يوم جديد تشرق فيه الحياة بقدرة الله لتنطلق خطوات الرسالة في درب المسؤولية المنفتحة عليه.
وهكذا تنطلق حركة الرسالة من انفتاح الرسول على الله بالدعاء والتسبيح والحمد ، ليكون ذلك خطا يتبعه الدعاة إلى الله والعاملون في سبيله ، وتكون الدعوة رسالة في وعي السائرين في دروبها ، ولا تتحول إلى مهنة في حياتهم وتجارة في سوق البيع والشراء.
* * *