تقاليدهم ، هي المميزات نفسها التي تحكم اصطفاء الله لرسله؟ فقد يترك الغنى والجاه والقوّة ونحوها تأثيرا على عقلية الناس الذين ينبهرون بهذه الأمور ، بحيث يخضعون للشخص الذي يملكها .. ولكن كيف نتصور ذلك في الله الذي خلق الناس ، وخلق كل ما يملكون من ذلك كله؟ (سَيَعْلَمُونَ غَداً) عند ما يقفون جميعا أمام الله ليواجهوا الحقيقة الحاسمة (مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ) ليكتشفوا أن هذه الصفة تنطبق على كل فرد منهم ، لا على الرسول.
(إِنَّا مُرْسِلُوا النَّاقَةِ) العجيبة بما أودعه الله فيها من خصائص معجزة ، لتكون (فِتْنَةً لَهُمْ) يواجهون فيها الامتحان الكبير الذي يختبر مواقفهم الإيجابية والسلبية ليحاسبهم عليها ، (فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ) ليكن لك أيها الرسول دور المنتظر الصابر الذي يتابع المسألة ليعرف نتائجها ، (وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْماءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ) وبين الناقة ، فلها شرب يوم لا يشاركونها فيه ، ولهم شرب يوم يتزودون فيه لليوم الاخر ، (كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ) يحضره صابحه من نوبته دون غيره ...
ومر زمن طويل عليهم وهم على هذه الوضع ، ولكن المترفين منهم خافوا من سقوط امتيازاتهم في مجتمعهم أمام هذه القوّة العجائبية التي تمثلها الناقة والمنفعة التي ينتفع الناس بها ، مما يمنح الرسول قوّة جديدة تتجاورهم ، (فَنادَوْا صاحِبَهُمْ) وهو أحد الرهط المفسدين في المدينة ، كما أشير إليه في سروة النمل (١) ، (فَتَعاطى) وأقدم على قتلها بوسائله الخاصة (فَعَقَرَ) أي فقتلها ، كوسيلة تحد للرسول ، لإبعاد تأثيره في المجتمع ، لما تمثله الناقة من معجزة إليها تتّصل بالواقع الاقتصادي للناس. (فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ) فما ذا حدث في مجمل هذا العذاب؟ (إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً واحِدَةً) بحجم الصاعقة التي لا تترك أيّ أثر للحياة في الجسد لأنها تجمّد كل شيء في
__________________
(١) قال تعلى في سورة النمل : (وَكانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ) [النمل : ٤٨].