الأرض وستنتقل إلى عالم آخر يواجه فيه الجن والإنس نتائج مسئولية ما اكتسباه على الأرض ، وهذا هو سرّ العظمة في قدرة الله ، الذي أبدع الخلق بقوّته ، ودبّره بحكمته ، ثم أماته بقدرته ، في نطاق خطة حكيمة جعلت للحياة وللموت حدودا (وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ) فهو الحقيقة الأزلية الخالدة التي لم تنطلق من موقع الحدوث والخلق ، ليمكن أن يعرض الفناء عليها ، وذكر وجه الله كناية عن ذاته المقدسة ، لأن وجه الشيء هو الذي يعبر عنه ، وقد يكون في التركيز على صفتي الجلال والإكرام إشارة إلى معنى العظمة التي تختزنها كلمة الجلال وما توحي به من هيبة ، وإلى معنى النعمة في روح العطاء التي تتضمنها كلمة الإكرام وما توحي به من رحمة.
(يَسْئَلُهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) لأن وجودهم بكل تفاصيله الصغيرة والكبيرة مفتقر إليه ، وبذلك يكون السؤال من خلال التعبير الحسي تارة ، ومن خلال الحاجة الوجودية الطبيعية أخرى (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) فهو المهيمن على كل الأشياء ، وكل الشؤون ، لا يتجمَّد تصرفه في موقع ولا يقف عند حدِّ ، وهو يدير الكون كل يوم بطريقة تمليها شؤونه المتجددة ، مما يجعل أفعاله تتجدّد وعطاياه تتنوّع في صنع الوجود في ما يحتاج إلى الوجود ، وفي تدبير ما يحتاج إلى التدبير ، وقد جاء في رواية الصادق عليهالسلام ، عن آبائه عليهالسلام ، أنَّ النبي محمدا صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : «الله تعالى كل يوم هو في شأن ، فإن من شأنه أن يغفر ذنبا ، ويفرّج كربا ، ويرفع قوما ، ويضع آخرين» (١) ، وهو من باب الحديث عن المصاديق.
* * *
__________________
(١) البحار ، م : ٢ ، ج : ٤ ، باب : ١ ، ص : ٢٦٣ ، رواية : ١٧.