(هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ) عند ما كان الأنبياء يدعونهم إلى الحذر منها ، وإلى الانفتاح على الأفكار التي تثيرها في النفوس من خلال الحديث عنها ، (يَطُوفُونَ بَيْنَها وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ) أي متناه في الحرارة كأنه الطعام الناضج على النار ، وهم يترددون بينها وبين هذا السائل الآني ، الذي بلغ الغاية والنهاية من الحرارة حتى كأنهم يشربونه وهو على النار ، (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) في هذه الحقيقة الإيمانية التي تواجهكما في الموقف الصعب؟!
(وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ) وقد ورد عن الإمام جعفر الصادق عليهالسلام قال : «من علم أن الله يراه ، ويسمع ما يقول ، ويعلم ما يعمله من خير أو شر ، فيحجزه ذلك عن القبيح من الأعمال ، فذلك الذي خاف مقام ربه» (١) .. أمّا الجنتان ، فقد يكون حديثا عن موقعين في الجنة ، مميزين في نطاق الجنة الكبيرة ، (ذَواتا أَفْنانٍ) والأفنان هي الأغصان النديّة النضرة ، فهما نديّتان نضرتان في ما يوحي ذلك من العطاء الجني ، والجمال الأخضر ، (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) أمام هذه النعمة النديّة النضرة؟! (فِيهِما عَيْنانِ تَجْرِيانِ) فتسقيان الجنّتين ، ليهتزّ العشب ، ويتنامى الثمر (فِيهِما مِنْ كُلِّ فاكِهَةٍ زَوْجانِ) في ما يمثله ذلك من تنوّع وكثرة ، (مُتَّكِئِينَ عَلى فُرُشٍ بَطائِنُها مِنْ إِسْتَبْرَقٍ) ، مما يوحي بأن ظواهرها أكثر جمالا من ذلك ، لأن الظاهر ـ عادة ـ أكثر اجتذابا للنظر من الباطن ، في ما يراد له من روعة وافتتان ، (وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دانٍ) أي أن الثمر قريب من متناول أيديهم فلا يحتاجون إلى جهد للحصول عليه.
(فِيهِنَّ قاصِراتُ الطَّرْفِ) من الحور العين اللاتي لا يمتد طرفهن بعيدا إلى غير أزواجهنّ ، في ما يوحي به ذلك من العفة الأخلاقية ، (لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌ) أي عذارى أبكار لم يمسسهنّ جنّ ولا إنس قبل ذلك (كَأَنَّهُنَّ الْياقُوتُ وَالْمَرْجانُ) في النضرة واللمعان والبهاء والصّفاء ... وتلك هي الهبة
__________________
(١) الكافي ، ج : ٢ ، ص : ٧٠ ، رواية : ١٠.