آخر ، وليس هناك ما يمنع أحدا في الجنة من تناولها ، لأن فاكهة الدنيا تختلف عن فاكهة الآخرة ، فإذا كانت تنقطع في زمان وتأتي في زمان ، فإن فاكهة الآخرة لا تنقطع أبدا. (وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ) عالية وثيرة ، وقيل : إن المراد بالفرش : النساء المرتفعات قدرا في عقولهنّ وجمالهنّ وكمالهنّ ، كما ورد التعبير الشائع عن المرأة بأنها فراش الرجل ، ولعل الحديث في الآية التالية يقرّب ذلك.
(إِنَّا أَنْشَأْناهُنَّ إِنْشاءً* فَجَعَلْناهُنَّ أَبْكاراً* عُرُباً أَتْراباً) فقد أوجد الله لهؤلاء المؤمنين في الجنة نساء عذارى متحنِّنات إلى أزواجهنَّ أو مغنّجات أو عاشقات لهم ، حسب اختلاف الأقوال في معنى العروب ، مساويات لأزواجهنَّ في السنّ (لِأَصْحابِ الْيَمِينِ* ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ* وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ) فهم كثرة في الجيل الماضي ممن عاش مع الأنبياء وثبت في إيمانه معهم ومن بعدهم ، وهم كثرة في الأجيال اللاحقة التي التزمت الإسلام وسارت في خطه المستقيم ...
(وَأَصْحابُ الشِّمالِ ما أَصْحابُ الشِّمالِ) وهم الذين انحرفوا عن خط الإيمان ، وتمرّدوا على الله ورسله ، وانحرفوا عن نهج الاستقامة ، وعاشوا في أجواء المعصية اللاهية العابثة ، وارتكبوا الجرائم الوحشية ، أين هم في يوم القيامة؟ إنهم (فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ) فهم في الأجواء التي تتحرك فيها الريح الساخنة المحرقة اللاهبة التي تنفذ إلى داخل الجسم ، فإذا ظمئوا ، فهناك الماء الشديد الحرارة الذي يغلي في البطون ، (وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ) فليس هو الظل الذي يبعث الانتعاش في الجسم ، بل هو ظلّ من الدخان الأسود الذي يخنق الأنفاس ، (لا بارِدٍ وَلا كَرِيمٍ) مكما هو الظل الظليل المنعش الذي يخفف حرارة الجسد ، بل إنه لا يدفع حرا ولا بردا ، إنما يكون صاحبه كالمستجير من الرمضاء بالنار.
(إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ مُتْرَفِينَ) ممن يعيشون بطر النعمة وطغيانها ، فلا يشكرون الله عليها ، ولا يتحملون مسئوليتها في ما يجب أن يوجهوها إليه من مواقع رضى الله سبحانه ، ولذلك فقد نسوا الله من خلالها ، وشغلوا بلذاتها وشهواتها عما عند الله من النعيم الباقي.
وإذا كان بعض أصحاب الشمال غير مترفين ، فإنهم كانوا ضحية المترفين