وكان أساس دعوته التوحيد الذي يختصر منهج العقيدة الفكري ، ومنهج الممارسة العملي.
(أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللهَ) وقد نلاحظ أن الدعوة إلى توحيد الله في العبادة ، تحمل إيحاء عميقا بأن العقيدة ليست حالة تجريدية في الفكر ، بل هي حالة حركية في العقل وفي الحياة ، (إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) أعدّه الله للجاحدين به ، والمشركين بعبادته ، في الدنيا والآخرة ، لأنكم لا تملكون حجة على عبادتكم لهذه الأصنام التي اتخذتموها آلهة تعبدونها من دون الله جهلا.
(قالُوا أَجِئْتَنا لِتَأْفِكَنا عَنْ آلِهَتِنا) أي لتصرفنا عن عبادة آلهتنا كذبا وافتراء ، بحديثك عن الله الواحد الذي لا ربّ غيره ، ولا عبادة لغيره ، كما تتخيل وتتوهم ، (فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) لأننا لا نرى في كلامك إلا التهويل الذي تسعى من خلاله إلى التأثير علينا بالضغط النفسي ، دون أن يكون هناك أيّ أساس لما تتوعد به ، لأنك لا تملك قوة ذاتية ، ولا نرى لك أية قوّة غيبيّة. (قالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللهِ) فلا أملك تفاصيل علم الغيب الذي أحدثكم عنه ، لأنه ليس علما ذاتيا ، أملكه ، بل هو علم يأتيني من ذي علم ، (وَأُبَلِّغُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ) من الله العليم الحكيم القادر الذي أمرني أن أبلغكم رسالة التوحيد ، وأنذركم عذاب يوم عظيم ، (وَلكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ) لأنكم لا تواجهون الأمور المطروحة عليكم بجدّية ومسئولية كما يفرض العقل ، فالإنسان لا بدّ من أن يفكر في أية فكرة يسمعها ويدخل في حوار حولها مع من يثيرونها ، لا سيّما إذا كانت متصلة بقضايا المصير ، فكيف تقفون هذا الموقف المعاند دون أيّ أساس للعناد ، وكيف تستهينون بالإنذار ، وأنتم لا تعرفون خطورته على حياتكم؟
ونزل العذاب ، (فَلَمَّا رَأَوْهُ عارِضاً مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ) فقد جاء إليهم في صورة سحاب يعرض في الأفق ثم يمتد في الفضاء المطلّ عليهم ، ليستقبل الوديان التي كانت تنتظر المطر الذي يملأ الينابيع ويروي الأرض ، ف (قالُوا هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا) فاستقبلوه باستبشار ، كما يستقبل الناس العطشى المطر القادم إليهم