وعن ابن عمر قال : «كنا نرى أنه ليس شيء من حسناتنا إلا مقبولا ، حتى نزل : (وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ) ، فقلنا : ما هذا الذي يبطل أعمالنا؟ فقال : الكبائر الموجبات والفواحش ، حتى نزل : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) [النساء : ٤٨] ، فكففنا عن القول في ذلك ، فكنّا نخاف على من أصاب الكبائر ، ونرجو لمن لم يصبها» (١).
فإذا صحّت أمثال هذه الروايات ، فإنها تدل على أنّ المسلمين الأوائل من الصحابة كانوا يفهمون المسألة بهذه الطريقة. وقد نستفيد من بعض الروايات ، أنّ هذا الفهم لم يكن بعيدا عما ورد عن رسول الله ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ على تقدير صحته ـ فقد جاء عن الصادق عليهالسلام قال : «قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : من قال : سبحان الله ، غرس الله له بها شجرة في الجنة ، ومن قال : الحمد لله ، غرس الله له بها شجرة في الجنة ، ومن قال : لا إله إلا الله ، غرس الله له بها شجرة في الجنة ، ومن قال : الله أكبر ، غرس الله له بها شجرة في الجنة.
فقال رجل من قريش : يا رسول الله ، إن شجرنا في الجنة كثير! قال : نعم ، ولكن إياكم أن ترسلوا عليها نيرانا فتحرقوها ، وذلك أن الله عزوجل يقول : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ)» (٢).
وقد استدل بها الفقهاء على حرمة إبطال الأعمال بعد الشروع فيها ، وفرّعوا عليه حرمة إبطال الصلاة بعد الشروع فيها.
وذكر بعضهم أن الأعمال لا تبطل بالإتيان بالمعاصي بعدها ، لعدم ارتباط الأعمال ببعضها البعض في مجال الطاعة أو القبول ، لأن لكل أمر طاعته وعصيانه ، وبطلانه وصحته في دائرته الخاصة ، ولذلك أنكر هذا البعض
__________________
(١) تفسير الكشاف ، ج : ٣ ، ص : ٥٣٩.
(٢) البحار ، م : ٣ ، ج : ٨ ، باب : ٢٣ ، ص : ٥٤٥ ، رواية : ١٥٤.