إلى السلام دون امتلاك قاعدة للقوّة في شروطه ومواقعه وحركته ، مما لا بدّ من دراسته على أساس المصلحة الإسلامية العليا ، على مستوى الحاضر والمستقبل ، في ما يمكن أن يحقّق للمسلمين من القوّة في مواقعهم ، أو في مواقع الآخرين ، لأن مسألة الحرب والسلم ، ليست من المسائل التي يستغرق الإنسان فيها ليدخل في تفاصيلها المأساوية أو غير المأساوية ، بل هي من المسائل التي تحدد ميزان القوّة في الساحة العامة ، في تأثيراتها الإيجابية أو السلبية على الواقع كله ، مما يفرض على أصحاب القرار من القياديين ، أن يدرسوا الموقف من جميع جوانبه ، على أساس الظروف الموضوعية المحيطة به ، كما يفرض على الناس الذين هم في القاعدة ، أن يلتزموا بالقرار على هذا الأساس ، لئلا يربكوا خطط القيادة المتحركة نحو النصر.
وهذا ما استهدفته الآية من نهي المؤمنين عن الضعف الذي يسقط الإنسان معه أمام مظاهر المأساة ونوازع الذات ، ويجعله يدعو إلى السلم ، في الوقت الذي لا مصلحة فيه للإسلام والمسلمين ، لأنه يعني الهزيمة في تلك المرحلة أمام العوامل العاطفية والانفعالية التي تترك تأثيرها على الموقف. (وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ) في موقع القوّة على صعيد الخط وعلى صعيد الواقع ، (وَاللهُ مَعَكُمْ) فلستم وحدكم في الساحة ، بل تملكون نصرة الله الذي يملك القوّة كلها ، كما يملك أصحاب القوّة في حياتهم العامة ، ومن كان الله معه ، فلا يخاف أحدا ، فانطلقوا بهذه الروحية المؤمنة العالية دون خوف أو اهتزاز ، والتزموا بخط الله في كل شيء ، واعتمدوا عليه ، فسيحميكم من كل سوء ، (وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمالَكُمْ) أي لن ينقصها ، ولن يقطع منها شيئا ، بل يوفّي أجرها كاملا غير منقوص.
* * *