بيننا عيبة مكفوفة (١) ، وأنه لا إسلال ولا إغلال (٢) ، وأنه من أحب أن يدخل في عقد محمد وعهده دخل فيه ، ومن أحبّ أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل فيه ...» (٣).
«قال الزهري في حديثه : ثم انصرف رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم من وجهه ذلك قافلا ، حتى إذا كان بين مكة والمدينة نزلت سورة الفتح» (٤).
وأورد السيوطي في الدر المنثور عن الإمام أحمد وابن داود وابن المنذر وغيرهم ـ بإسنادهم عن مجمع بن جارية الأنصاري ، وكان أحد القراء الذين قرءوا القرآن :
«قال : شهدنا الحديبية ، فلما انصرفنا عنها إلى كراع الغميم ، إذا الناس يوجفون الأباعر ، فقال الناس بعضهم لبعض : ما للناس؟ قالوا : أوحي إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فخرجنا مع الناس نوجف ، فإذا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم على راحلته على كراع الغميم ، فاجتمع الناس عليه ، فقرأ عليهم : (إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً) فقال رجل : يا رسول الله ، أو فتح هو؟ قال : والذي نفس محمد بيده ، إنه لفتح» (٥).
* * *
هذا هو الجوّ الذي نزلت فيه السورة لتبشِّر المؤمنين بالمغفرة ، ولتمنّ عليهم بالسكينة ، ولتتحدث عن بيعة رسول الله بوصفها بيعة لله ، كما تتحدث عن نقاط الضعف في المجتمع الإسلامي ، بالإشارة إلى المختلفين من الأعراب ، وإلى المعذّرين الذين يحاولون تبرير تخاذلهم بأعذار لا قيمة لها ، لأن للأعذار الشرعية موقعا أصيلا لا موقع لهم فيه.
__________________
(١) أي تكف عنّا ونكف عنك ، أي أن الصدور منطوية على ما فيها لا تبدي عداوة.
(٢) الإسلال : السرقة الخفية. والإغلال : الخيانة.
(٣) سيرة ابن هشام ، ج : ٣ ، ص : ٣٢٨ ـ ٣٣٠.
(٤) سيرة ابن هشام ، ج : ٣ ، ص : ٣٣٤.
(٥) الدر المنثور ، ج : ٧ ، ص : ٥٠٨.