الأول : ما هي علاقة الفتح بغفران الذنب ، ليكون الأول تعليلا للثاني بلحاظ ظهور «اللام» في التعليل؟
الثاني : ما معنى غفران ذنب النبي ، وهو المعصوم في أقواله وأفعاله ، ثم ، ما هو المعنى لغفران الذنب قبل حدوثه؟
وقد أجيب عن ذلك بأجوبة متعددة (١) ، منها : أن الذنب ليس ذنب النبي مع الله ، ولكنه ذنبه مع أهل مكة ، في ما يعتقدونه من أن انطلاقته في الدعوة التي أدت إلى الصراع العسكري وغير العسكري ، يمثّل الذنب الكبير ، باعتبارها الحركة التي قتلت الكثير من رجالهم ، ودمّرت الكثير من هيبتهم. وبذلك كان الفتح ، الذي بدأ بصلح الحديبية معنويا ، وانتهى بفتح مكة فعليا ، ووقف بعده النبي ليعفو عن المشركين بعد السيطرة عليهم ؛ أساسا لغفرانهم لما سلف ، ولما يأتي من ذنوبه بحقهم ، لأن عظمة عفو النبي عنهم في ظروفه الموضوعية ، تلغي كل مواقع الذنب في ماضيه ومستقبله ، وبذلك تكون كلمة الفتح منسجمة مع التعليل بالمغفرة.
أما نسبة المغفرة إلى الله ، فلأنه كان السبب في ذلك كله ، على نحو المجاز.
ومنها : أن المراد ذنب أمته باعتبار أنه يمثل قيادة الأمة التي تتحمل معنويا مسئولية أعمال أتباعها.
ومنها : أن المراد ذنب أبويه آدم وحواء ببركته.
ومنها : أن المسألة قائمة على الفرضية الطبيعية باعتبار أنه بشر يمكن أن يخطئ في المستقبل ، كما كان ذلك ممكنا في الماضي ، ولهذا فإن التعبير يعالج المسألة على أساس أنه لو كان الأمر كذلك لغفر الله له ، لأن مثل هذا الفتح المبين الذي قام به ، يمثّل العمل الأفضل الذي تسقط أمامه كل الذنوب ، بحيث يكون هو الحسنة التي لا تضرّ معها سيّئة.
__________________
(١) انظر : مجمع البيان ، ج : ٩ ، ص : ١٤٢ ـ ١٤٣.