إيحاءات تتناسب مع صفاء العمق الروحي للشخصية النبوية ، ولعل الأقرب إلى الجوّ أن نستوحي من المغفرة معنى الرضوان والمحبة والرحمة ، باعتبار أنها تمثل نتائج المغفرة ، ليكون المعنى ، هو أن الله يمنحك رضوانه ومحبته ، في ما يوحي به من معنى إيجابي يستلزم انتفاء المعنى السلبي ، باعتبار أن الفتح ، في ما يمثله ، هو الانطلاقة التي تفتح للإسلام باب الحياة الواسع الذي يدلّ الناس على الطريق إلى الله. وقد جاهد النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أقسى الجهاد حتى وصل إلى هذه النتيجة بتوفيق الله ورعايته ، ومن هنا كان ذلك سببا في محبة الله له التي تشمل أوّل الجهاد قبل الفتح وآخره بعد الفتح.
(وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ) بوصول النبي إلى الأرض التي بدأت حياته فيها طفلا وشابا وانطلق بالدعوة فيها كهلا ، وخرج منها تحت تأثير القهر والاضطهاد ، فإذا به ، بعد تلك المعاناة ، يرجع إليها فاتحا بالرسالة المنفتحة على الواقع كله ، حيث يبدأ عهد جديد حافل بالازدهار ، ليكون الدين كله لله وحده ، وليكون نصره نهاية طبيعية لجهاده تتم به النعمة عليه ، (وَيَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً) ، وهو الصراط الذي يبدأ بتوحيد الله ، ويمتد بشريعته التي تجعل الإنسان مسئولا في كل أقواله وأفعاله ، ولينتهي بين يدي الله في اليوم الآخر إبان موقف الحساب. وهذا هو الهدف الذي تحركت المسيرة إليه ، وهذا ما هدى الله النبي إليه في وحيه ليعيش الهداية في حركته مع الناس الذين جعلهم الله حركة مسئوليته ، (وَيَنْصُرَكَ اللهُ نَصْراً عَزِيزاً) يؤكد القوّة التي تنحني أمامها كل مواقع التحدي الموجهة ضدك ، حيث يبسط الإسلام سلطته ليكون هو القوّة الوحيدة في الجزيرة ، التي تخضع لها القوة كلها هناك.
وهكذا كان الفتح المعنوي في الحديبية ، ثم الواقعي في مكة ، مفتاحا للرضوان وللنعمة التامة ، وللهداية الكاملة ، وللنصر العزيز الذي يمتد بالإسلام إلى الحياة كلها.
* * *