تضمّنته الأخبار بأنه خلق وجعل من يعبد الطاغوت كما جعل منهم القردة والخنازير ؛ ولا شبهة في أنه تعالى هو خلق الكافر ، غير أن ذلك لا يوجب أنه خلق كفره وجعله كافرا (١). ثمّ يذكر قولا يرجحه ويقويه وهو : «يجوز أن يعطف «عبد الطاغوت» على الهاء والميم في «منهم» ، فكأنّه جعل منهم ، وممّن عبد الطاغوت القردة والخنازير ؛ وقد يحذف «من» في الكلام ؛ قال الشاعر :
أمن يهجو رسول الله منكم |
|
ويمدحه ، وينصره سواء |
أراد : ومن يمدحه وينصره» (٢).
وعلى طريقته في المحاجّة والمجادلة يقول : «فإن قيل : فهبوا هذا التأويل ساغ في قراءة من قرأ بالفتح ، أين أنتم عن قراءة من قرأ «وعبد» بفتح العين وضمّ الياء ، وكسر التاء من «الطاغوت» ، ومن قرأ «عبد الطاغوت» بضمّ العين والباء» (٣).
ويرد الشريف المرتضى هذا القول بحجّة أن المختار من هذه القراءة «عند أهل العربية كلّهم القراءة بالفتح ، وعليها جميع القرّاء السبعة إلّا حمزة فإنّه قرأ : «عبد» بفتح العين وضمّ الباء ، وباقي القراءات شاذّة غير مأخوذ بها» (٤).
وهذا يعني أن شهرة القراءة من الأسباب الّتي تدعوه إلى ترجيح قراءة على أخرى ، ولكنّه لم يلتزم بهذا النهج ، ولم تكن القراءات المشهورة كلّها عنده
__________________
(١) أمالي المرتضى ، ٢ : ـ ١٨٠ : ١٨١.
(٢) نفسه ، ٢ : ١٨٢ ، والبيت لحسان بن ثابت ، ينظر ديوانه : ٩.
(٣) أمالي المرتضى ، ٢ : ١٨٢ ، وقد جاء في اتحاف فضلاء البشر ، للدمياطي : ٢١٠ ، واختلف في «عبد الطغوت» ، فحمزة بضمّ الباء وفتح الدال وخفض الطاغوت ... وعن الحسن فتح العين والدال وسكون الباء وخفض الطاغوت ، وعن الشنبوذي ضمّ العين وفتح الدالّ وخفضّ الطاغوت (جمع عبيد) ، والياقوت بفتح العين والباء على أنه فعل ماض ونصب الطاغوت مفعولا به. وينظر النشر في القراءات العشر ، ٢ : ٢٥٥.
(٤) أمالي المرتضى ، ٢ : ١٨٢. وقد أوصل ابن جنّي القراءات في هذه الآية إلى عشر قراءات ، ينظر المحتسب ، ١ : ـ ٢١٤ : ٢١٥ ، والتبيان في تفسير القرآن ، ٣ ـ ٥٧٣ : ٥٧٤ ، والكشّاف ، ١ ـ ٦٢٥ : ٦٢٦.