ذلك لغة» (١). وقد فرق الراغب بين الصيغتين ، فوجه الّتي بالتخفيف للدلالة على وجود الشيء ، وبين أن معناه : «لا يجدونك كاذبا» ، ووجه الّتي بالتشديد للدلالة على النسبة إلى الشيء ، أي لا يستطيعون أن ينسبوك إلى الكذب ، وعبّر عن هذا المعنى بقوله : «لا يستطيعون أن يثبتوا كذبك» (٢).
ونجد الشريف المرتضى في بعض المواضع يرجح قراءة على أخرى ، ويبدو أن شهرة القراءة من الأسباب الّتي تدعوه لترجيح قراءة على أخرى ، وإن لم يلتزم ذلك. ففي قوله تعالى : (وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى) (٣) ، ذكر في معنى الآية وجوها منها : «أنّه أراد وجدك ضالّا عن النبوّة فهداك إليها ، أو عن شريعة الإسلام الّتي نزلت عليه وأمر بتبليغها إلى الخلق» (٤). ثمّ ذكر قراءة من قرأ بالرفع «ووجدك ضالّ فهدى» ، على أن اليتيم وجده وكذلك الضال (٥) ، لكنّه ردّ هذا الوجه بقوله : «وهذا الوجه ضعيف ، لأنّ القراءة غير معروفة ، ولأنّ هذا الكلام يسمج ويفسد أكثر معانيه» (٦).
وقد جاء في تفسير القرطبي : «وفي قراءة الحسن «ووجدك ضالّ فهدى» ، أي وجدك الضالّ فاهتدى بك ؛ وهذه قراءة على التفسير» (٧).
ووقف المرتضى عند قوله تعالى : (قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللهِ مَنْ لَعَنَهُ اللهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ) (٨).
ويتساءل : ما أنكرتم أن تكون هذه الآية دالّة على أنه تعالى جعل الكافر كافرا ؛ لأنه أخبر بأنه جعل منهم من عبد الطاغوت ؛ كما جعل القرده والخنازير؟ لكنّه يرفض هذا القول ويصرح بأنه ليس في ظاهر الآية ما ظنّوه ، وأكثر ما
__________________
(١) معاني الابنية في اللغة العربية : ٧.
(٢) المفردات : ٤٤٤ (كذب) ، وينظر معاني القرآن ، ١ : ٣٣١ ، ومشكل إعراب القرآن ، ١ : ٢٥١.
(٣) سورة الضحى ، الآية : ٧.
(٤) تنزيه الأنبياء : ١٣٤.
(٥) نفسه : ١٣٥.
(٦) نفسه : ١٣٧.
(٧) تفسير القرطبي (جامع الأحكام) ، ٢٠ : ٩٩ ، وينظر معجم القراءات القرآنية ، ٨ : ١٨٢.
(٨) سورة المائدة ، الآية : ٦٠.