بمستوى واحد ، إذ نجده ـ أحيانا ـ يضعف القراءات المشهورة لأن ظاهرها يخالف قواعد اللغة ، فهو حين وقف عند قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) (١) ، ذكر أنّ القراءة بالجرّ أولى من القراءة بالنصب «لأنّا إذا نصبنا الأرجل فلا بدّ من عامل في هذا النصب ، فامّا أن تكون معطوفة على الأيدي ، أو يقدر لها عامل محذوف ، أو تكون معطوفة على موضع الجار والمجرور في قوله تعالى : (وَامْسَحُوا) (٢). ويرفض المرتضى أن تكون الأرجل معطوفة على الأيدي «لبعدها عن عامل النصب في الأيدي ، ولأن إعمال الأقرب أولى من أعمال الأبعد» (٣).
ثمّ يرفض أن تنصب بمحذوف مقدر لأنّه «لا فرق بين أن تقدر محذوفا هو الغسل ، وبين أن تقدر محذوفا هو المسح ، ولأن الحذف لا يصار إليه إلّا عند الضرورة» (٤).
فأمّا حمل النصب على موضع الجار والمجرور ، «فهو جائز وشائع إلّا أنّه موجب للمسح دون الغسل ، لأنّ الرؤوس ممسوحة ، فما عطف على موضعها يجب أن يكون ممسوحا مثلها» (٥). لكن المرتضى يعود ويرجّح أن تكون الأرجل معطوفة على لفظة «الرؤوس» ، لأنّ «إعمال أقرب العاملين أولى وأكثر في لغة القرآن والشعر» (٦). وهذا ـ كما يقول ـ «أولى من نصبها وعطفها على موضع الجار والمجرور ، لأنه أبعد قليلا ، فلهذا ترجحت القراءة بجر الأرجل على القراءة بنصبها» (٧).
وقد قرأ نافع وابن عامر والكسائي «وأرجلكم» بنصب اللام عطفا على «أيديكم» وقرأ الباقون «وأرجلكم» بالخفض عطفا ، على «رءوسكم» (٨). وقد
__________________
(١) سورة المائدة ، الآية : ٦.
(٢ و ٣ و ٤) رسائل الشريف المرتضى ، ٣ : ١٦٣.
(٥ ـ ٦) نفسه ، ٣ : ١٦٤.
(٧) نفسه ، ٣ : ١٦٤ ، والانتصار : ٢١ وما بعدها ، والناصريّات : ٦١ وما بعدها.
(٨) ينظر اتحاف فضلاء البشر : ١٩٨ ، والنشر في القراءات العشر ، ٢ : ٢٥٥.