استحسن الطبري قراءة الخفض مؤثرا لها قائلا : «وأعجب القراءتين إلى أن أقرأها قراءة من قرأ خفضا» (١) ، وقد أوّل جرّ لفظه «وأرجلكم» على أنها معطوفة على «رؤوسكم» ، لأن العطف على الرؤوس مع قربه منه «أي من الأرجل» أولى من العطف على الأيدي ، وقد فصّل بينه وبينها بقوله تعالى : (وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ) (٢). وإلى هذا المعنى ذهب ابن هشام الأنصاري ، فقد ذكر أن العطف لو كان على الوجوه والأيدي للزم ذلك أن يفصل بين المتعاطفين بجملة أجنبية وهي : (وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ) وإذا حمل العطف ، أعني عطف الأرجل ـ على الرؤوس لم يلزم الفصل بالأجنبي ، والأصل أن لا يفصل بين المتعاطفين بمفرد فضلا عن جملة (٣).
وذكر المرتضى الرأي القائل : إنّ الأرجل إنّما انجرت بالمجاورة لا لعطفها في الحكم على الرؤوس ، ورد هذا القول لأسباب منها : ان الإعراب بالمجاورة شاذّ نادر ... ولا يجوز حمل كتاب الله عزوجل على الشذوذ الّذي ليس بمعهود ولا مألوف. ومنها : انّ الإعراب بالمجاورة عند من أجازه إنّما يكون مع فقد حرف العطف ... ومنها انّ الإعراب بالمجاورة إنّما استعمل في الموضع الّذي ترتفع فيه الشبهة ويزول اللبس ...» (٤). وقد سبق أن اشار الزجاج إلى هذا التأويل ، فقد أنكر أن تكون هذه اللفظة مجرورة على الجوار ، وأبى أن يحمل عليه كتاب الله تعالى ذكره ، متأوّلا جرّ لفظة «وأرجلكم» عطفا على «رؤوسكم» (٥). وأنكر النحاس الجرّ على الجوار ، وعده غلطا عظيما في الكلام (٦). وأنكره ابن خالويه ، وحمله على الضرورة في الأمثال والشعر (٧). وهناك من ارتضى الجرّ على الجوار ، ومن هؤلاء أبو عبيدة (٨) ، وأبو البقاء ، إذ
__________________
(١) جامع البيان ، ٦ : ٨٤.
(٢) جامع البيان ، ٦ : ٨٤.
(٣) ينظر شرح شذور الذهب : ٣٣٢.
(٤) الانتصار : ٢١ ـ ٢٢.
(٥) ينظر معاني القرآن ، ٢ : ١٥٣ ، ونحو القرّاء الكوفيين : ١٢٥.
(٦) ينظر إعراب القرآن ، ٢ : ٩.
(٧) نظر الحجّة في القراءات : ١٢٩.
(٨) ينظر مجاز القرآن ، ١ : ١٥٥.