خلاف ما ادّعيتم ، وإنّما يخرج الاستثناء عندهم ما جاز أو صح دخوله ، دون ما وجب ، وإنّما صحّ استثناء كلّ عاقل من قول القائل : من دخل داري أكرمته ، لصحّة دخوله تحت هذه اللفظة ، وصلاح هذه اللفظة للاشتمال على الكلّ ، ولمّا لم تصلح ان تشتمل على البهائم ، لم يحسن استثنائها ؛ لأنّ استثناء ما لا يصحّ دخوله تحت اللّفظ ليس يحسن.
فإن قالوا : الاستثناء من لفظ العموم كالاستثناء من ألفاظ الأعداد ، فكما أنّ الاستثناء من العدد يخرج من الكلام ما لولاه لوجب دخوله ، فكذلك الاستثناء من لفظ العموم.
قلنا : ليس بواجب أن يكون الاستثناء من الاعداد إذا كان يخرج ما لولاه لوجب دخوله أن يكون جميع الاستثناء كذلك ، وغير منكر أن يكون الاستثناء إنّما وضع لأن يخرج ما لولاه لصحّ دخوله في الكلام ، فإن أخرج في بعض المواضع ما لولاه ، لوجب دخوله ، فلأنّ فيما يجب دخوله الصحّة وزيادة ، وهذا كما يقول أهل التوحيد أن الحيّ من صحّ أن يكون عالما وقادرا ، فإذا عورضوا بالقديم سبحانه قالوا : الوجوب يشتمل على الصحّة ويزيد عليها.
وقد كان الخالدي وجماعة ممّن خالف في العموم سوّوا في الاستثناء بين ألفاظ العموم والأعداد ، والّذي ذكرناه أوّلا أولى بالاعتماد عليه.
فإن قالوا : هذا الّذي ذهبتم إليه يؤدّي إلى جواز وقوع الاستثناء في النكرات ، وقد علمنا فساده.
قلنا : إنّ الاستثناء من النكرات ينقسم إلى استثناء معرفة من نكرة ، وإلى استثناء نكرة من نكرة : فأمّا استثناء المعرفة من النكرة ، فلا شبهة في حسنه وجوازه عند أهل العربيّة ؛ لأنّهم يقولون : ألق قوما إلّا زيدا ، واضرب جماعة إلّا عبد الله. فأمّا استثناء النّكرة من النّكرات فقد قال أبو بكر ابن السّراج في كتابه المعروف بالأصول في النّحو : ولا يجوز أن يستثنى النّكرة من النكرات في الموجب ؛ لأنّه لا يجوز أن تقول جاءني قوم إلّا رجلا ؛ لأنّ هذا لا فائدة فيه ، قال : فإن خصّصته ، أو نعتّه ، جاز ، فهذا تصريح بحسن الاستثناء من النكرة.