وكان يجب أيضا في كلّ من عقل معنى من المعاني ، وكان ممّا يجوز أن تدعوه الدّواعي إلى إفهامه ، والعبارة عنه ، أن يضع له عبارة ، وأن يكون ملجأ إلى وضعها ، ومعلوم خلاف ذلك ؛ لأنّا نعلم أنّ المتكلّمين الّذين قد استدلّوا ، فعلموا اختلاف الأكوان في الأماكن ، والاعتمادات في الجهات والطعوم والأراييح ، لم يضعوا للمختلف من ذلك عبارات ، وإن كانوا قد عرفوه ، وميّزوه ، ولا يمكن أن يقال فيهم ما يقال في أهل اللّغة : أنّهم إنّما لم يضعوا لسائر ما عدّدناه ، من حيث لم يعرفوه ، وإذا لم يضعوا ذلك ، ثبت أنّ أهل اللغة غير ملجئين إلى وضع الألفاظ لما عقلوه من المعاني ؛ لأنّ الإلجاء لا يختلف فيمن تكامل له شروطه.
وبعد ، فإنّا نصير إلى ما آثروه ، ونقول : قد وضعوا للاستغراق عبارة تنبىء عنه ، إلّا أنّه من أين لهم أنّها يجب أن تكون خاصة وغير مشتركة.
فإن قالوا : لا بدّ أن يضعوا عبارة خاصة ، كما فعلوه في كلّ ما عقلوه.
قيل لهم : ومن أين لكم أنّهم قد فعلوا ما ادّعيتموه في كلّ ما عقلوه ، ففيه الخلاف ؛ لأنّا نذهب إلى أنّ ما عقلوه على ضربين : منه ما وضعوا له عبارة تخصّه ، ومنه ما وضعوا له عبارة مشتركة بينه وبين غيره ، وما فيه عبارة تخصّه ينقسم ، ففيه ما تخصّه عبارة واحدة بلا مشاركة لغيره في سواها ، وفيه ما تخصّه عبارات كذلك ، وفيه ما يشارك غيره في عبارات ، وان اختصّه غيرها.
على أنّا ما وجدناهم يفعلونه في بعض المعاني ، وبعض الألفاظ لا يجب القياس عليه ، ولا القضاء بأنّهم فاعلون لمثله في كلّ موضع ؛ لأنّا قد رأيناهم وضعوا للمعنى الواحد عبارات كثيرة ، وأسماء عدّة ولم يجز لأحد أن يعلّل ذلك ، فيقول : إنّما فعلوه من حيث عقلوه ، فيجب أن يكون لجميع المعاني عدّة أسماء ، وكذلك لا يجب ما قالوه.
والجواب عمّا ذكروه رابعا : أنّا نقول بموجب اقتراحهم ؛ لأنّا نذهب إلى أنّ لفظ العموم في نفسه مخالف للفظ الخصوص ، ألا ترى أنّ لفظ العموم يتناول ما