ورابعها : قوله تعالى : (ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها) (١). وذكروا في التعلّق بهذه الآية وجوها :
منها : أنّه لمّا قال تعالى : (نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها) كان الكلام محتملا للكتاب وغيره ، فلمّا قال بعد ذلك : (أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) علم أنّه أراد ما يختصّ هو تعالى بالقدرة عليه من القرآن المعجز.
ومنها : أنّه قال تعالى : (نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها)، فأضاف ذلك إلى نفسه ، والسنّة لا تضاف إليه حقيقة.
ومنها : أنّ الظاهر من قول القائل : «لا آخذ منك ثوبا إلّا وأعطيك خيرا منه» أنّ المراد أعطيك ثوبا من جنس الأوّل.
ومنها : أنّ الآية إنّما تكون خيرا من الآية بأن تكون أنفع منها ، والانتفاع بالآية يكون بتلاوتها وامتثال حكمها ، فيجب أن يكون ما يأتي به يزيد في النّفع على ما ينسخه في كلا الوجهين ، والسنّة لا يصحّ لها إلّا أحدهما.
والجواب عمّا تعلّقوا به أوّلا : هو أنّ الظّاهر لا دلالة فيه على أنّه لا يبدّل الآية إلّا بالآية ، وإنّما قال تعالى : (وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ)؛ ولأنّ الخلاف في نسخ حكم الآية ، والظّاهر يتناول نفس الآية.
والجواب عن الثاني : أنّه أيضا لا يتناول موضع الخلاف ؛ لأنّه إنّما نفى أن يكون ذلك من جهته ، بل بوحي من الله تعالى سواء كان ذلك قرآنا أو سنّة.
والجواب عن الثالث : أنّ النسخ يدخل في جملة البيان ؛ لأنّه بيان مدّة العبادة وصفة ما هو بدل منها. وقد قيل : إنّ المراد هيهنا بالبيان التبليغ والأداء ، حتى يكون القول عامّا في جميع المنزّل ، ومتى حمل على غير ذلك كان خاصّا في المجمل ، على أن النسخ لو انفصل عن البيان ، لم يمنع أن يكون ناسخا وإن كان مبيّنا ، كما لم يمنع كونه مبيّنا من كونه مبتدئا للأحكام ، وقد وصف الله تعالى القرآن بأنه بيان ، ولم يمنع ذلك من كونه ناسخا.
__________________
(١) سورة البقرة ، الآية : ١٠٦.