والجواب عن الرّابع ؛ أنّ الآية أيضا لا تتناول موضع الخلاف ؛ لأنّها تتناول نفس الآية ، والخلاف في حكمها ؛ على أنّ الظّاهر لا يدلّ على أنّ الّذي يأتي به يكون ناسخا ، وهو موضع الخلاف ، وهو إلى أن يدلّ على أنّه غير ناسخ أقرب ؛ لأنّه تعالى قال : (ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ)، وهذا يدلّ على تقدّم النسخ على إنزال ما هو خير منها ، فيجب أن لا يكون النسخ بها وهو متقدّم عليها ، ومعنى «خير منها» أي أصلح لنا ، وأنفع في ديننا ، وأنّا نستحقّ به مزيد الثواب ، وليس يمتنع على هذا أن يكون ما يدلّ عليه السنّة من الفعل الناسخ أكثر ثوابا وأنفع لنا ممّا دلّت عليه الآية من الفعل المنسوخ. والشّناعة بأنّ السنّة خير من القرآن تسقط بهذا البيان ، وبأنّ القرآن أيضا لا يقال بأنّ بعضه خير من بعض بالإطلاق ، وقد ينسخ بعضه ببعض ، فإذا فصّلوا وفسّروا فعلنا مثل ذلك. فأمّا إضافة ذلك إليه تعالى ، وأنّ ذلك بالكتاب أليق منه بالسنّة ، فالإضافة صحيحة على الوجهين ؛ لأنّ السنّة إنّما هي بوحيه تعالى وأمره ، فإضافتها إليه كإضافة كلامه. وقوله تعالى : (أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) لا يدلّ على صفة ما يكون به النسخ ، وإنّما يقتضي أنّه تعالى قادر على أن ينسخ الفعل بما هو أصلح في الدّين منه ، كان الدليل على ذلك كتابا أو سنّة. وغير مسلّم أنّ القائل إذا قال لأحد : لا آخذ منك كذا وكذا إلّا وأعطيك خيرا منه ، أنّ الثّاني يجب أن يكون من جنس الأوّل ، بل لو صرّح بخلاف ذلك لحسن ؛ لأنّه لو قال : «لا آخذ منك ثوبا إلّا وأعطيك فرسا خيرا منه» لما كان قبيحا ، وقد بيّنّا معنى «خيرا منها». فليس يمتنع أن يكون السنّة وإن انتفع بها من وجه واحد أصلح لنا من الآية وإن كان الانتفاع بها من وجهين ؛ لأنّ الانتفاع الّذي هو الثواب قد يتضاعف ، فلا ينكر أن يزيد والوجه واحد على الوجهين ، على أنّ في درس السنّة وتلاوتها أيضا ثوابا وقرية وعبادة.