وأيضا فليس يخلو قوله تعالى : (الْمُؤْمِنِينَ) من أن يريد به المستحقين للثواب ، والّذين باطنهم في الإيمان كظاهرهم ، أو يريد به من أظهر التصديق والإيمان ، وإن جاز في الباطن أن يكون بخلافه ، فإن كان الأوّل ، فالظاهر يقتضي تناول اللفظة لجميع المؤمنين إلى أن تقوم الساعة ، فكيف يحملونها على مؤمني كلّ عصر ، وإنّما هم بعض المؤمنين لا كلّهم ، وإن جاز لهم حمل اللفظة على خلاف عموم ظاهرها جاز لنا حملها على الأئمّة المعصومين ، ففي كلّ واحد من الأمرين ترك للظاهر. وإن كان المراد بالآية الوجه الثاني فهو باطل من وجهين :
أحدهما : ما قلناه من أن ذلك يقتضى الجميع إلى أن تقوم الساعة ، ولا يختصّ بأهل كلّ عصر.
والثاني : أنّ الكلام خارج مخرج المدح والتعظيم ، من حيث الأمر بالاتّباع والاقتداء ، وذلك لا يليق إلّا بمن يستحقّ التعظيم على الحقيقة ، دون من يجوز أن يكون باطنه بخلاف ظاهره ، ممّن يستحقّ الاستخفاف والإهانة.
وأيضا ؛ فإنّه تعالى علّق وجوب الاتّباع بكونهم مؤمنين ، فمن أين لهم أنّهم لا يخرجون من هذه الصفة؟ فلا يلزم اتّباعهم ، وإنّما يقولون في أنّهم لا يخرجون عن الإيمان على ما هو مبنيّ على أن الحق لا يخرج عنهم ، والكلام في ذلك.
ثمّ من أين لهم في الأصل أنّه لا بدّ في كلّ زمان من وجود مؤمنين ، حتّى يلزم اتّباعهم؟! وليس يمكن التعلّق في إثبات مؤمنين في كلّ حال بأنّه إذا أمر باتّباعهم ، فلا بدّ من حصولهم ، ليمكن الاتّباع ؛ لأنّ ذلك تكليف مشروط بغيره ، يجب إذا وجد الشرط ، وليس يقتضي أنّ الشرط لا بدّ من حصوله في كلّ حال ، ألا ترى أنّه تعالى قد أمر بقطع السارق وجلد الزاني ، ولا يقتضي ذلك القطع على أنّه لا بدّ في كلّ حال من وجود سرّاق وزناة ، حتّى يمكن إقامة الحدود عليهم؟.
وأيضا ؛ فإنّ الآية كالمجملة ؛ لأنّه تعالى لم يوجب اتّباع سبيلهم في كلّ الأحوال ، ولا في حال مخصوص فمن أين لهم عموم الأحوال ، وليس هيهنا