وبعد ، فليس في الآية ما يقتضي أنّهم لا يأمرون إلّا بذلك وليس يمتنع خروج من يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر في بعض الأحوال عن ذلك ، ولأنّ الآية لا تقتضي أنّ إجماع كلّ عصر حجّة ، فمن أين أن هذا الوصف واقع على أهل كلّ عصر على انفرادهم؟!.
ويقال لهم فيما تعلّقوا به رابعا : من الخبر هذا الخبر يجب أن تدلّوا على صحّته ، فهي الأصل. ثمّ على اقتضائه عصمة الأمّة وكون إجماعهم حجّة على ما تدّعون ، فلا شبهة في أنّ هذا الخبر إنّما رواه الآحاد ، وليس من الأخبار الموجبة للعلم.
وإنّما يفزع مخالفونا في تصحيحه إلى أمور كلّها عند التأمّل مبنيّة على أنّ إجماعهم حجّة ، وقبولهم للشيء يقتضي صحّته ، وما أشبه ذلك ، وهذا هو استدلال على الشيء بنفسه ، وتمحّل وتعلّل ، ونحن نبيّن ذلك. وربما ادّعى مخالفونا أنّ معناه متواتر ، وإن كانت ألفاظه من جهة الآحاد ، وأجروه مجرى شجاعة عمرو وسخاء حاتم.
أمّا الطريقة الأولى ؛ فأكثر ما فيها أنّ الأمّة أطبقت ، وأجمعت على تصحيحه ، والرضا به ، ودون صحّة ذلك خرط القتاد ؛ لأنّ ذلك غير معلوم ولا مسلّم ، وكلّ من خالف في الإجماع من العلماء قديما وحديثا ينكر ذلك غاية الإنكار ، فمن أين أنّهم في ذلك مصيبون؟! ونحن قبل هذا الخبر الّذي هو الحجّة في صحّة الإجماع نجيز عليهم الخطأ ، فلعلّ قبولهم هذا الخبر من جملة ما هو جائز عليهم من الخطأ ، وادّعاؤهم أن لامّتنا عادة ألفت منهم في ردّ الباطل وقبول الحقّ ، ممّا لا نوافقهم عليه ، ولا يجابون إليه. وإذا طولبوا بتصحيح هذه العادة لم يحصلوا إلّا على مجرّد الدعوى ، وليس كلّ من عرف منه أنّه ردّ باطلا وقبل حقّا لا يجوز عليه بالشبهة أن يقبل باطلا ويردّ حقّا ، وأكثر ما يقتضيه حسن الظنّ بهم أن يكونوا عندنا ممّن لا يدفع إلّا ما اعتقد بطلانه ، وأدّاه اجتهاده إلى وجوب ردّه ، ولا يقبل أيضا إلّا ما اعتقد بحجّة أو شبهة صحّته ، فأمّا تجاوز ذلك إلى ما يقتضي عصمتهم ، ونفي القبيح عنهم من غير دلالة