ثوابا مستحّقا ثابتا ، وترك النوافل ليس كذلك. وفرق واضح في العادة بين الانحطاط عن رتبة ثبتت واستحقّت ، وبين قوّتها ، وأن لا تكون حاصلة جملة. ألا ترى أنّ من ولي ولاية جليلة وارتقى إلى رتبة عالية ، يؤثّر في حالة العزل عن تلك الولاية والهبوط عن تلك الرتبة ، ولا يكون حاله هذه كحاله لو لم ينل تلك الولاية ولا ارتقى إلى تلك الرتبة؟ وهذا الكلام الّذي ذكرناه يبطل قول من جوّز على الأنبياء عليهمالسلام الصغائر على اختلاف مذاهبهم في تجويز ذلك عليهم على سبيل العمد أو التأويل ؛ إلّا أنّ أبا علي الجبّائيّ ومن وافقه في قوله : إنّ ذنوب الأنبياء لا تكون عمدا ، وإنّما يقدمون عليها تأويلا ، ويمثّل لذلك بقصة آدم عليهالسلام ، فإنّه نهي عن جنس الشجرة دون عينها فتأوّل فظنّ أنّ النهي يتناول العين ، فلم يقدم على المعصية مع العلم بأنّها معصية ، قد ناقض ؛ فإنّه إنّما ذهب إلى هذا المذهب تنزيها للأنبياء عليهمالسلام ، واعتقادا أنّ تعمّد المعصية مع العلم يوجب كبرها ، فنزّهه عن معصية وأضاف إليه معصيتين ؛ لأنّه مخطىء على مذهبه في الاعراض عن تأمّل مقتضى النهي ، وهل يتناول الجنس أو العين ؛ لأنّ ذلك واجب عليه ومخطىء في التناول من الشجرة ، وهاتان معصيتان.
وبعد : فإنّ تعمّد المعصية ليس يجب أن يكون مقتضيا لكبرها لا محالة ؛ لأنّها لا يمتنع أن يكون مع التعمّد لصاحبها من الخوف والوجل ما يوجب صغرها ، ويمنع من كبرها. وليس له أن يقول : إنّ النظر فيما كلّفه من الامتناع من الجنس أو النوع لم يكن واجبا عليه ؛ لأنّ ذلك إن لم يكن واجبا عليه فكيف يكون مكلّفا؟ وكيف يكون تناوله معصية؟ ولا بدّ على هذا من أن يخطر الله تعالى بباله ما يقتضي وجوب النظر في ذلك عليه. وإذا وجب عليه النظر ولم يفعله فقد تعمّد الإخلال بالواجب ، ولا فرق في باب التنفير بين الاقدام على المعصية والاخلال بالواجب ، فإذا جاز عنده أن يتعمّد الاخلال بالواجب ولا يكون منه كبيرا ، جاز أن يتعمّد منه نفس التناول ولا يكون منه كبيرا.
فأمّا ما حكيناه عن النظّام وجعفر بن مبشر ومن وافقهما ، من أنّ ذنوب الأنبياء عليهمالسلام تقع منهم على سبيل السهو والغفلة ، وأنّهم مع ذلك مؤاخذون بها ،