تقدّم ، والأولى أن يكون المراد : وذلك الإخلاص دين القيّمة. والعبادات الّتي تقدّم ذكرها إنّما يشار إليها بلفظة «تلك» ، فكان يجب أن يقول وتلك دين القيمة.
فإذا قالوا : أراد بذلك الّذي أمرتم به ، والمعنى الّذي أمرتم به دين القيّمة ، لدلالة لفظة «وما أمروا» على الّذي أمرتم به.
قلنا : إذا أخرجنا عن الظاهر واحتجنا إلى الاضمار ، لم تكونوا باضمار ما ذكرتموه أولى منّا باضمار ما ذكرناه من الإخلاص والتدين ، ويرجّح قولنا على قولكم ؛ لأنا نضمر ما لا يخرج معه لفظ «الإيمان» عن موجب اللغة ، وأنتم بخلاف ذلك.
على أنه قال تعالى : (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ) (١) فيجب على ما قلتموه أن يكون عدّة الشهور من الدين.
فإذا قلتم : الدين القيّم يرجع إلى التدين بما ذكره لا إليه نفسه.
قلنا : مثل ذلك فيما تعلقتم به من الآية.
على أن من قال من خصومنا إن الإيمان يختصّ بالمفروض من الطاعات دون النفل يترك ظاهر هذه الآية ؛ لأن قوله تعالى : (وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكاةَ) (٢) يعمّ الفرض والنفل ، فإذا جاز أن ترد لفظة «ذلك» إلى بعض ما تقدّم دون بعض جاز لنا مثل ذلك ، وسقط الاستدلال.
والجواب عن السادس : أن قوله تعالى بعد الإيمان لا يدلّ على بطلان حكم الإيمان وارتفاع التسمية به ، وقد قال الله تعالى : (وَما تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ) (٣) ومعلوم أن التفرّق لما حدث بعد البيّنة لم يبطل حكم البيّنة ، بل كانت ثابتة على ما كانت عليه ، وإنّما أراد تعالى بعد مجئ البيّنة ، وقد يقول أحدنا : «عرفت زيدا بعد معرفتي بعمرو» «جاءني فلان بن
__________________
(١) سورة التوبة ، الآية : ٣٦.
(٢) سورة البيّنة ، الآية : ٥.
(٣) سورة البيّنة ، الآية : ٤.