[إن سأل سائل] فقال كيف أضاف الاستهزاء إليه تعالى ؛ وهو ممّا لا يجوز في الحقيقة عليه؟ وكيف خبّر [بأنهم في الطّغيان والعمه] وذلك بخلاف مذهبكم؟.
الجواب : قلنا : في قوله تعالى (اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ) وجوه :
أوّلها : أن يكون معنى الاستهزاء الذي أضافه تعالى إلى نفسه تجهيله لهم وتخطئته إيّاهم في إقامتهم على الكفر وإصرارهم على الضلال ؛ وسمّى الله تعالى ذلك استهزاء مجازا وتشبيها ؛ كما يقول القائل : إنّ فلانا ليستهزأ به منذ اليوم ، إذا فعل فعلا عابه الناس به ، وخطّؤه فيه فأقيم عيب الناس على ذلك الفعل ، وإزراؤهم على فاعله مقام الاستهزاء به ؛ وإنّما أقيم مقامه لتقارب ما بينهما في المعنى ؛ لأنّ الاستهزاء الحقيقي هو ما يقصد به إلى عيب المستهزأ به ، والإزراء عليه ، وإذا تضمّنت التخطئة والتجهيل والتبكيت هذا المعنى جاز أن يجرى عليه اسم الاستهزاء ؛ ويشهد بذلك قوله تعالى : (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللهِ يُكْفَرُ بِها وَيُسْتَهْزَأُ بِها) (١) ؛ ونحن نعلم أنّ الآيات لا يصحّ عليها الاستهزاء ولا السخريّة ؛ وإنّما المعنى : إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويزرى عليها ؛ والعرب قد تقيم الشيء مقام ما قاربه في معناه ، فتجري اسمه عليه ؛ قال الشاعر :
كم من أناس في نعيم عمّروا |
|
في ذرى ملك تعالى فبسق |
سكت الدّهر زمانا عنهم |
|
ثمّ أبكاهم دما حين نطق |
والسكوت والنطق على الحقيقة لا يجوزان على الدهر ؛ وإنّما شبّه تركه الحال على ما هي عليه بالسكوت ، وشبّه تغييره لها بالنطق. وأنشد الفرّاء :
إنّ دهرا يلفّ شملي بجمل |
|
لزمان يهمّ بالإحسان |
ومثل ذلك في الاستعارة لتقارب المعنى قوله :
__________________
(١) سورة النساء ، الآية : ٤٠.