سألتني بأناس هلكوا |
|
شرب الدّهر عليهم وأكل (١) |
وإنّما أراد بالأكل والشرب الإفساد لهم ، والتغيير لأحوالهم ، ومثله قول الآخر :
يقرّ بعيني أن أرى باب دارها |
|
وإن كان باب الدّار يحسبني جلدا |
والجواب الثاني : أن يكون معنى الاستهزاء المضاف إليه «عزوجل» أن يستدرجهم ويهلكهم من حيث لا يعلمون ولا يشعرون.
ويروى عن ابن عباس أنّه قال في معنى استدراجه إياهم : إنّهم كانوا كلّما أحدثوا خطيئة جدّد لهم نعمة ؛ وإنّما سمّي هذا الفعل استهزاء من حيث غيّب تعالى عنهم من الاستدراج إلى الهلاك غير ما أظهر لهم من النعم ؛ كما أنّ المستهزىء منّا ، المخادع لغيره يظهر أمرا ؛ ويضمر غيره.
فإن قيل : على هذا الجواب فالمسألة قائمة ، وأيّ وجه لأن يستدرجهم بالنعمة إلى الهلاك؟
قلنا : ليس الهلاك هاهنا هو الكفر ، وما أشبهه من المعاصي التي يستحقّ بها العقاب ؛ وإنّما استدرجهم إلى الضرر والعقاب الذي استحقّوه بما تقدّم من كفرهم ؛ ولله تعالى أن يعاقب المستحقّ بما شاء أيّ وقت شاء ؛ فكأنّه تعالى لمّا كفروا وبدّلوا نعمة الله ، وعاندوا رسله لم يغيّر نعمه عليهم في الدنيا ؛ بل أبقاها لتكون ـ متى نزعها عنهم ، وأبدلهم بها نقما ـ الحسرة منهم أعظم ، والضرر عليهم أكثر.
فإن قيل : فهذا يؤدّي إلى تجويز أن يكون بعض ما ظاهره ظاهر النعمة على الكفّار ممّا لا يستحقّ الله به الشكر عليهم.
قلنا : ليس يمتنع هذا فيمن استحقّ العقاب ؛ وإنّما المنكر أن تكون النعم المبتدأة بهذه الصفة على ما يلزمه مخالفنا ، ألا ترى أنّ الحياة وما جرى مجراها
__________________
(١) اللسان (أكل) ، ونسبه إلى النابغة الجعديّ. في بعض النسخ : «سألتني عن أناس».