من حفظ التركيب ، والصحّة لا تعدّ على أهل النار نعمة ؛ وإن كان على أهل الجنّة نعما من حيث كان الغرض فيه إيصال العقاب إليهم.
والجواب الثالث : أن يكون معنى استهزائه بهم أنّه جعل لهم بما أظهروه من موافقة أهل الإيمان ظاهر أحكامهم ؛ من نصرة ومناكحة وموارثه ومدافنة ، وغير ذلك من الأحكام ؛ وإن كان تعالى معدّا لهم في الآخرة أليم العقاب لما أبطنوه من النفاق ، واستسرّوا به من الكفر ؛ فكأنّه تعالى قال : إن كنتم أيّها المنافقون بما تظهرونه للمؤمنين من المتابعة والموافقة ، وتبطنونه من النفاق ، وتطلعون عليه شياطينكم إذا خلوتم بهم تظنّون أنّكم مستهزؤون ؛ فالله تعالى هو المستهزىء بكم من حيث جعل لكم أحكام المؤمنين ظاهرا ؛ حتى ظننتم أنّ لكم مالهم ، ثمّ ميّز بينكم في الآخرة ودار الجزاء ؛ من حيث أثاب المخلصين الذين يوافق ظواهرهم بواطنهم ، وعاقب المنافقين. وهذا الجواب يقرب معناه من الجواب الثاني ؛ وإن كان بينهما خلاف من بعض الوجوه.
والجواب الرابع : أن يكون معنى ذلك أنّ الله هو الذي يردّ استهزاءكم ومكركم عليكم ؛ وأنّ ضرر ما فعلتموه لم يتعدّكم ؛ ولم يحط بسواكم ؛ ونظير ذلك قول القائل : «إنّ فلانا أراد أن يخدعني فخدعته ؛ وقصد إلى أن يمكر بي فمكرت به» والمعنى أنّ ضرر خداعه ومكره عائد إليه ولم يضررني به.
والجواب الخامس (١) : أن يكون المعنى أنّه يجازيهم على استهزائهم ؛ فسمّي الجزاء على الذنب باسم الذنب ؛ والعرب تسمّي الجزاء على الفعل باسمه ؛ قال الله تعالى : (وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها) (٢) ، وقال تعالى : (فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ) (٣) ، وقال : (وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ) (٤) والمبتدأ ليس بعقوبة ، وقال الشاعر (٥) :
__________________
(١) انظر ايضا المائدة : ١١٦ من الأمالي ، ١ : ٣١٧.
(٢) سورة الشورى ، الآية : ٤٠.
(٣) سورة البقرة ، الآية : ١٩٤.
(٤) سورة النحل ، الآية : ١٢٦.
(٥) هو عمرو بن كلثوم ، والبيت من المعلقة : ٢٣٨ ـ بشرح التبريزي.