ألّا لا يجهلن أحد علينا |
|
فنجهل فوق جهل الجاهلينا |
ومن شأن العرب أن تسمّى الشيء باسم ما يقاربه ويصاحبه ، ويشتدّ اختصاصه وتعلّقه به ، إذا انكشف المعنى وأمن الإبهام ؛ وربّما غلّبوا أيضا اسم أحد الشيئين على الآخر لقوّة التعلّق بينهما ، وشدّة الاختصاص فيهما ؛ فمثال الأوّل قولهم للبعير الذي يحمل المزادة : راوية ، وللمزادة المحمولة على البعير رواية ، فسمّوا البعير باسم ما يحمل عليه ؛ قال الشاعر :
مشى الرّوايا بالمزاد الأثقل
أراد بالروايا الإبل ؛ ومن ذلك قولهم : صرعته الكأس واستلبت عقله ، قال الشاعر :
وما زالت الكأس تغتالنا |
|
وتذهب بالأوّل الأوّل |
والكأس هي ظرف الشراب ، والفعل الذي أضافوه إليها إنّما هو مضاف إلى الشراب الذي يحلّ الكأس إلّا أنّ [الفراء لا يقول الكأس إلّا بما فيه] من الشراب ؛ وكأنّ الإناء الفارغ لا يسمّى كأسا ، وعلى هذا القول يكون إضافة اختلاس العقل والتصريع وما جرى مجرى ذلك إلى الكأس على وجه الحقيقة ؛ لأنّ الكأس على هذا القول اسم للإناء وما حلّه من الشراب.
ومثال الوجه الثاني ما ذكرناه عنهم من التغليب تغليبهم اسم القمر على الشمس ؛ قال الشاعر :
أخذنا بآفاق السّماء عليكم |
|
لنا قمراها والنّجوم الطوالع |
أراد : لنا شمسها وقمرها ؛ فغلّب.
ومنه قول الآخر :
فقولا لأهل المكّتين : تحاشدوا |
|
وسيروا إلى آطام يثرب والنّخل |
أراد بمكّتين : مكة والمدينة ، فغلّب.
وقال الآخر :