مكروههم ؛ وهو ضرب من العقاب الذي يستحقّونه بأفعالهم القبيحة ؛ لأنّ من طمع في النجاة والخلاص من المكروه ، واشتدّ حرصه على ذلك ؛ ثمّ حيل بينه وبين الفرج وردّ إلى المكروه يكون عذابه أصعب وأغلظ من عذاب من لا طريق للطمع عليه.
فإن قيل : فعلى هذا الجواب ، ما الفعل الذي هو الاستهزاء؟.
قلنا : في ترداده لهم من باب إلى آخر على سبيل التعذيب معنى الاستهزاء ؛ من حيث كان إظهارا لما المراد بخلافه ؛ وإن لم يكن فيه من معنى الاستهزاء ما يقتضي قبحه من اللهو واللعب وما جرى مجرى ذلك.
والجواب السابع : أن يكون ما وقع منه تعالى ليس باستهزاء على الحقيقة ؛ لكنّه سمّاه بذلك ليزدوج اللفظ ويخفّ على اللسان ؛ وللعرب في ذلك عادة معروفة في كلامها ؛ والشواهد عليه مذكورة مشهورة.
وهذه الوجوه التي ذكرناها في الآية يمكن أن تذكر في قوله تعالى : (وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ) (١) ؛ وفى قوله تعالى : (إِنَّ الْمُنافِقِينَ يُخادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خادِعُهُمْ) (٢) فليتأمّل ذلك.
فأمّا قوله تعالى : (وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ) فيحتمل وجهين :
أحدهما : أن يريد : أنّى أملي لهم ليؤمنوا ويطيعوا ؛ وهم مع ذلك مستمسكون بطغيانهم وعمههم.
والوجه الآخر : أن يريد ب «ويمدّهم» أنّه يتركهم من فوائده ومنحه التي يؤتيها المؤمنين ثوابا لهم ، ويمنعها من الكافرين عقابا كشرحه لصدورهم ، وتنويره لقلوبهم ؛ وكلّ هذا واضح بحمد الله (٣).
(مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ) (١٧) [البقرة : ١٧].
__________________
(١) سورة الأنفال ، الآية : ٣٠.
(٢) سورة النساء ، الآية : ١٤٢.
(٣) الأمالي ، ٢ : ١٢٦.