أنه لا يدلّ على النبوّة ، وأن البشر يقدرون على مثله ، فأمّا كونه معجزا بمعنى أنه في نفسه خارق للعادة دون ما هو مسند إليه ودالّ عليه من الصرف عن معارضته ، فممّا لا يعرفه من يراد الشناعة عندهم ، والكلام في تحقيق ذلك وقف على المتكلّمين.
وإذا شنّع على ذهب إلى خرق العادة بفصاحة بأنك تقول : إن العرب ، بل كلّ ناطق قادرون على فعل مثل القرآن في فصاحته وجميع صفاته ، بطلت شناعته واحتاج من تفصيل قوله إلى مثل ما احتجنا إليه.
ومن ذهب إلى [أن] القرآن موجود في السماء قبل النبوّة لا يمكنه أن يجعل القرآن هو العلم المعجز القائم مقام التصديق ؛ لأن العلم على صدق الدعوى لا يجوز أن يتقدّمها ، بل لا بدّ من حدوثه مطابقا لها.
فإذا قيل : نزول جبرئيل عليهالسلام إلى النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم به جعله في حكم الحادث ، وإن كان متقدّم الوجود.
قلنا : يجب على هذا القول أن يكون هبوط الملك به هو العلم الدالّ على النبوّة ؛ لأنه الحادث عندها دون ما تقدّم وجوده.
فإن قيل : إذا كان الصرف هو المعجز فالواجب أن يخفى الحالة فيه على فصحاء العرب ؛ لأنهم إذا كان يتأتى منهم قبل التحدّي ما تعذر بعده وعند روم المعارضة ، فالحال في أنهم منعوا منها جلية ظاهرة ، فلا يبقى لهم بعد هذا ريبه في النبوّة ولا شكّ فيها ، فكيف لم ينقادوا وأقاموا على دياناتهم وتكذيبهم.
قلنا : لا يبعد أن يعلموا تعذر ما كان متأتيا ، ويجوز أن ينسبوه إلى الاتفاق ، أو إلى أنه سحرهم ، فقد كانوا يرمونه بالسحر ، وكانوا يعتقدون [أن] للسحر تأثيرا في أمثال هذه الأمور ، ومذاهبهم في السحر وتصديقهم لتأثيراته معروفة ، وكذلك الكهانة.
ولو تخلصوا من ذلك كلّه ونسبوا إلى الله تعالى جاز أن يدخل عليهم شبهة في أنه فعل للتصديق ، ويعتقدوا أنه ما فعله تصديقا ، بل لمحنة العباد ، كما