من الاستعانة بغيره ، ويسدّ باب كلّ حيلة يتمّ معها الاستعانة بالغير ، فالجنّي في هذا الباب كالإنسي ، إذا كنّا قد بيّنا أنه لا بدّ من أن يكون كثيفا مدركا.
فأمّا إبدال ميّت بحيّ أو احضار جسم من بعيد ، فليس يجوز أن يتمكّن منه أيضا إلّا من له قدر تحتاج إلى بنية كثيفة يتناولها الرؤية.
وأكثر ما يمكن أن يقال : جوّزوا أن يكون الحيّ الّذي أبدلها الجنّي بميّت من أصغر الحيوان جثّة كالذرّة والبعوضة.
والجواب عن ذلك : أن أقلّ الأحوال أن يكون حامل هذا الحيوان مكافئا له القدر ، ويجب تساويها في الجثّة والكثافة ، فيجب رؤيته ولا يخفى حاله.
وبعد ، فإن فرضنا أن رؤية هذا الحامل غير واجبة ، فلا بدّ من أن يكون ما يحمله وينقله مرئيا متميّزا ، وإلّا لم يفرق بين حضوره وغيبته ، وما هذه حاله لا يخفى على الحاضرين حاله ، ولا بدّ من أن يدركوه ويفطنوا بحاله ويتنبهوا على وجه الجملة فيه.
ويلحق هذا الوجه بالأوّل في مساواة الجنّ والبشر في الاعتبار عليهم والامتحان ، ولهذا نجد كثيرا من المشعبذين وأصحاب الحقّة يستترون جسما ويظهرون آخر ، ويبدلون ميّتا بحيّ وصغيرا بكبيره ، وإذا اعتبر عليهم المحصّلون ظهروا على مظانّ حيلهم ووجوهها ، ولا بدّ في مدّعي النبوّة من أن يأمن فيه ما جوّزناه في المشعبذ ، وليس يحصل الأمران إلّا بصادق البحث وقوى الامتحان.
وممّا أجاب به القوم عن سؤال الجنّ : أن القرآن لو كان من فعل الجنّ لوافقت العرب النبيّ صلىاللهعليهوآله وسلم على ذلك ، ولقالت له : ليس في عجزنا عن مقابلتك دليل على نبوّتك ؛ لأنه جائز أن يكون الجنّ ألقته إليك.
وهذا من ضعيف التعلّل ؛ لأنه ليس بواجب أن تعرف العرب هذا القدح ولا تهتدي إلى هذه الشبهة ، وكم أورد المبطلون في القرآن من الشبهات التي لم تخطر للعرب ببال ، ولا رأينا أحدا من المتكلّمين والمحصّلين جعل جواب هذه الشبهة أنها لو كانت صحيحة لواقف عليها العرب ، وإنّما تحيل على العرب