وتوجب أن يواقفوا عليه فيما يختصّ بالفصاحة ، وما يجوز فيها من التقدّم والتأخّر وجهات التفاضل ، وما أشبه ذلك ممّا المرجع فيه إليهم والمعول عليهم ، فأمّا في الشبهات الّتي لا يخطر مثلها ببالهم ولا يهتدون إلى البحث عنها فلا معنى للحوالة عليهم بها.
ويقال لمن تعلّق بهذه الطريقة : خبرنا لو واقفت العرب على ذلك وادّعت في القرآن أنه من فعل الجنّ ، أكان ذلك دالّا على أنه من فعل الجنّ على الحقيقة؟ فإن قال نعم ، قيل له كيف ، وكيف يدلّ على ذلك ، وأيّ تأثير لدعواهم في تحقيق هذا الأمر؟ وان قال : لا يدلّ ، قيل له : كيف لم تدلّ المواقفة على أنه من فعلهم ، ودلّ تركها على أنه ليس من فعلهم ، وأيّ تأثير للترك ليس هو للفعل؟
على أنهم إذا جعلوا تلك المواقفة دليلا على أمان العرب من أن يكون القرآن من فعل الجنّ ، فإنّا نقول لهم : ما الّذي أمنت العرب من أن يكون القرآن من فعل الجنّ ، حتّى أمسكت لأجله عن المواقفة؟ أشيروا إليه بعينه حتّى نعلمه ، وتكون الحجّة به قائمة إن كان صحيحا ؛ فإنّ هذا ممّا لا يحسن الحوالة به على العرب ، وحال المتكلّمين فيه أقوى وهم إليه أهدى.
فإن قيل : بينوا الآن كيف لا يلزم سؤال الجنّ من قال بالصرفة؟
قلنا : إذا كان الصحيح في جهة إعجاز القرآن أن الله تعالى سلب كلّ من رام المعارضة العلوم الّتي بها يتمكّن منها ، وعلمنا أنّ أحدا من المحدثين لا يقدر أن يفعل في قلب غيره شيئا من العلوم ولا من أضدادها ، فلا فرق في هذا التعذّر بين ملك وجنّي وبشر ؛ لأن وجه التعذّر هو أننا قادرون بقدر ، فكلّ من شاركنا في القدر فلا بدّ من أن يتعذّر عليه ذلك ، وهذا يقتضي أن الصرف لا يقدر عليه إلّا الله تعالى ، ولا يدخل في مقدور أحد من المحدثين ، فسؤال الجنّ ساقط عمّن قال بالصرفة ومتوجّه إلى مخالفهم.
وأمّا السؤال الثاني الّذي وعدنا بذكره ، وقلنا : إنه لازم لمن لم يقل بالصرفة وغير لازم لمن ذهب إليها ، فهو أن يقال : إذا سلّم لكم تعذّر معاوضة القرآن على