وقال تعالى : (ما جَعَلَ اللهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حامٍ وَلكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ) (١) وقد علمنا أنّ الله تعالى قد جعل وخلق الشاة والبعير ، وانّما ينفي عن نفسه ما جعلوه من الشقّ الذي فعلوه في آذان أنعامهم ، فعلمنا أنّ ما نفاه الله تعالى عن نفسه هو كفر العباد وفعلهم.
وقال تعالى : (ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ) (٢) فلمّا كان الكفر متفاوتا متناقضا علمنا أنّه ليس من خلق الله تعالى ، وقال تعالى : (الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ) (٣) ، فلما لم يكن الكفر بحسن علمنا انه ليس من خلقه ولا من فعله ؛ لأنّ خلق الله هو فعله ، وقد قال : إنّه (يَخْلُقُ ما يَشاءُ) (٤) وقال (كَذلِكَ اللهُ يَفْعَلُ ما يَشاءُ) (٥) وأخبر أنّ خلقه وفعله واحد.
فإن قال قائل منهم : إنّ الكفر حسن لأنّ الله خلقه.
قيل له : لو جاز أن يكون حسنا لأنّ الله تعالى خلقه ، جاز أن يكون حقّا وصدقا وعدلا وصلاحا ، فلما لم يجز أن يكون الكفر حقّا ولا صدقا ولا عدلا ولا صلاحا لم يجز أن يكون حسنا ، ولو كان الكفر حسنا كان الكافر محسنا ، إذ فعل حسنا ، فلمّا كان الكافر مسيئا مفسدا كاذبا جائرا مبطلا ، علمنا أنّ فعله ليس بحسن ولا حقّ ولا صدق ولا عدل ولا صلاح.
وقال الله تعالى : (إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ) (٦) ولو كان فاعلا لها لكان قد أنزل بها أعظم السلطان والحجّة.
وقال : (وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ آلِهَةً) (٧) تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا.
وقال : (وَما جَعَلَ أَزْواجَكُمُ اللَّائِي تُظاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهاتِكُمْ وَما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ أَبْناءَكُمْ ذلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْواهِكُمْ وَاللهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ) (٨) والله قد جعل الأجسام كلّها ، وإنّما نفى عن نفسه أن يكون قولهم لأزواجهم وقولهم لأولادهم أنتن
__________________
(١) سورة المائدة ، الآية : ١٠٣.
(٢) سورة الملك ، الآية : ٣.
(٣) سورة سجدة ، الآية : ٧.
(٤) سورة آل عمران ، الآية : ٤٧.
(٥) سورة آل عمران ، الآية : ٤٠.
(٦) سورة النجم ، الآية : ٢٣.
(٧) سورة مريم ، الآية : ٨١.
(٨) سورة الأحزاب ، الآية : ٤.