أمهاتنا ، وأنتم أبناؤنا ، ثمّ أخبر أنّه لا يقول إلّا حقا وأنّ الكذب ليس من قوله ولا من فعله.
وقال عزّ من قائل : (وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَناتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يَصِفُونَ) (١) فأخبر أنّهم جعلوا له شركاء ، ولو كان الجاعل لما كان قد جعل لنفسه شركاء ، ولا يخلو من أن يكون هو جعل لنفسه شركاء دونهم ، أو يكونوا هم الذين جعلوا له شركاء ، وهو عن ذلك متعال لم يفعله ولم يجعله ، ولو كان هو الذي جعل لنفسه شركاء دون عباده أو إن كان هو جعل ما جعلوا كان قد جعل لنفسه شركاء كما جعل ذلك عباده. فكان قد شارك ، عباده في شركهم وكفرهم ، ومن جعل لله شريكا فقد أشرك بالله غيره وقال : (وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَناتِ) (٢) وقال : (وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ ما يَكْرَهُونَ) (٣) وقال : (وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ) (٤) فلو كان جاعلا ما جعلوه من الكفر كان قد جعل لنفسه ما يكرهه ، وجعل لنفسه أندادا ، جلّ الله عن ذلك.
وقال عزوجل : (وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا أَجَعَلْنا مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ) (٥) فنفى أن يكون جعل من دونه آلهة ، فعلمنا أنّ اتّخاذ الاله من دون الله لم يجعله الله.
وقال عزوجل : (إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ) (٦) فلو كان هو الذي جعل الحميّة في قلوبهم لم يقل هم الذين جعلوا الحميّة.
فإن قالوا : ما أنكرت أن يجعل ما جعل العباد.
قيل لهم : لو جاز أن يكون جاعلا لما جعله العباد لكان عادلا بعدل العباد ، ومصلحا بصلاح العباد ، وجائرا بجور العباد ، ومفسدا بفساد العباد ، وكاذبا بكذبهم ؛ إذ كان لكذبهم وفسادهم وجورهم فاعلا ، فلمّا لم يجز ما ذكرناه علمنا أنّ الله لم يجعل لما جعله العباد.
__________________
(١) سورة الأنعام ، الآية : ١٠٠.
(٢) سورة النحل ، الآية : ٥٧.
(٣) سورة النحل ، الآية : ٦٢.
(٤) سورة إبراهيم ، الآية : ٣٠.
(٥) سورة الزخرف ، الآية : ٤٥.
(٦) سورة الفتح ، الآية : ٢٦.