فيقال : أفليس قد ضرّ الله الكافر في قولهم بما خلق فيه من الكفر؟ فمن قولهم : نعم. يقال لهم : وكذلك إبليس قد ضرّهم بدعائه إياهم إلى الكفر ، فلا بدّ من نعم وإلّا لزمهم أن لا يكون إبليس وسوس إلى أحد بمعصيته ولا يجب أن يذمّ على شيء من أفعاله ، وردّوا أيضا مع ذلك كتاب الله ؛ لأنّ الله يقول :
(الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ وَاللهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً) (١). ويقال لهم : فأيّما أعظم المضرّة التي فعلها الله تعالى بالكافر من خلق الكفر فيه أو المضرّة التي فعلها إبليس من دعائه إيّاهم إلى الكفر؟ فإن قالوا : المضرّة التي فعلها بهم إبليس من دعائه إيّاهم إلى الكفر أعظم. قيل لهم : فما أنكرتم أن تكون منفعة النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم للمؤمنين أعظم بدعائه إيّاهم إلى الإيمان.
فإن قالوا : إنّ المضرّة التي خلقها الله فيهم أعظم. قيل لهم : فما أنكرتم أن تكون مضرّة الله للكافرين في خلق الكفر فيهم أعظم من مضرّة إبليس بدعائه إيّاهم إلى الكفر.
فإن قالوا ذلك قيل لهم : فقد وجب عليكم أنّ إلهكم أضرّ على الكافرين من إبليس. فإذا قالوا : إنّه أضرّ عليهم من إبليس. قيل لهم : فما أنكرتم أن يكون شرّا عليهم من إبليس كما كان أضرّ عليهم من إبليس كما قلتم : إنّ الله أنفع المؤمنين من النبي وخير لهم من النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم.
فإن قالوا : إن إلههم شرّ من إبليس فقد خرجوا من دين أهل القبلة ، وإن أبوا ذلك لم يجدوا منه مخرجا مع التمسّك بقولهم.
ويقال لهم : أتقولون : إنّ الله قد ضرّ الكفّار في دينهم؟ فمن قولهم : نعم.
فيقال لهم : فما أنكرتم أن يغرّهم في دينهم كما أنّه ضرّهم في دينهم. فإن قالوا : إنّ الله لا يغرّ العباد في أديانهم. قيل لهم : والله لا يضرّهم في إيمانهم.
وإن قالوا : إنّ الله يغرّهم في أديانهم. قيل لهم : فما أنكرتم أن يموّه عليهم
__________________
(١) سورة البقرة ، الآية : ٢٦٨.