فقال : وكيف لم نكن مضطرين والقضاء والقدر ساقانا وعنهما كان مسيرنا ومنصرفنا؟ فقال عليهالسلام له : ويحك لعلّك ظننت قضاء لازما وقدرا حتما ، لو كان ذلك كذلك لبطل الثواب والعقاب وسقط الوعد والوعيد والأمر من الله والنهي ، ولم تكن تأتي لائمة لمذنب ولا محمدة لمحسن ، ولم يكن المحسن أولى بالمدح من المسيء ولا المسيء أولى بالذمّ من المحسن ، تلك مقالة عبدة الاوثان ، وجند الشيطان ، وخصماء الرحمن ، وشهود الزور والبهتان ، وأهل العمى عن الصواب ، وهم قدرية هذه الأمّة ومجوسها ، إنّ الله أمر تخييرا ، ونهي تحذيرا ، وكلّف يسيرا ، ولم يكلّف عسيرا ، وأعطى على القليل كثيرا ، ولم يعص مغلوبا ، ولم يطع مكرها ، ولم يرسل الرسل لعبا ، ولم ينزل الكتب للعباد عبثا ، ولم يخلق السماوات والأرض وما بينهما باطلا (ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ) (١). فقال الشيخ : فما القضاء والقدر اللذان ما سرنا إلّا بهما؟ فقال عليهالسلام : ذلك الأمر من الله والحكم ، ثم تلا هذه الاية (وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً) (٢) فنهض الشيخ مسرورا وهو يقول :
أنت الامام الذي نرجو بطاعته |
|
يوم النشور من الرحمن رضوانا |
أوضحت من ديننا ما كان ملتبسا |
|
جزاك ربّك بالإحسان إحسانا |
وروي عن جابر عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أنّه قال : «يكون في آخر الزمان قوم يعملون بالمعاصي ثمّ يقولون : الله قدّرها علينا ، الرادّ عليهم يومئذ كالشاهر سيفه في سبيل الله».
وروي أنّ رجلا جاء إلى الحسن البصري فقال : يا أبا سعيد إنّي طلّقت امرأتي ثلاثا فهل لي من مخرج؟ فقال : ويحك ما حملك على ذلك. قال : القضاء.
فقال له الحسن : كذبت على ربّك وبانت منك امرأتك.
وروي أنّ الحسن البصري مرّ على فضيل بن برجان وهو مصلوب فقال : ما
__________________
(١) سورة ص ، الآية : ٢٧.
(٢) سورة الإسراء ، الآية : ٢٣.