وذكر قتادة قال : بايع رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أصحابه على السمع والطاعة فيما استطاعوا.
وهذا يدلّ كلّ منصف على أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم واتباعه لم يلزموا العباد الطاعة إلّا فيما استطاعوا ، وكيف يجوز على أرحم الراحمين وأحكم الحاكمين أن يكلّف عباده ما لا يطيقون ، وأن يلزمهم ما لا يجدون.
وروي عن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم أنّه قال : «أول ما تبيّن من ابن آدم بطنه ، فمن استطاع أن لا يدخل بطنه إلّا طيبا فليفعل».
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : «من استطاع أن ينفع أخاه فليفعل» فلم يوجب على أحد شيئا إلّا بعد الاستطاعة.
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : «من استطاع منكم أن يقي وجهه حرّ النار ولو بشقّ تمرة فليفعل». فلم يرغبهم إلّا فيما يستطيعون.
وروي عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : ألا أنبّئكم بأعزّ الناس؟ قالوا : بلى يا رسول الله. قال : الذي يعفو إذا قدر ؛ فبيّن أنّه إنّما يكون العفو إذا قدر العبد وإذا لم يقدر فلا يكون العفو وقد قال الله تعالى : (فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا) (١) وقال : (فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ) (٢) وقال : (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ) (٣) فعلمنا أنّه كان يقدر على أن يعاقب ، فأمره الله لذلك بالعفو ، ولا يجوز أن يعفو عمّا لا يقدر له على مضرّة ولا على منفعة.
وروي عنه أنّه قال : «من كظم غيظا وهو قادر على إمضائه ملأ الله قلبه يوم القيامة رضى».
وروي عن ابن عباس في قوله : (وَقَدْ كانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سالِمُونَ) (٤) قال : وهم مستطيعون في دار الدنيا.
وروي عنه صلىاللهعليهوآلهوسلم أنّه قال : «يسّروا ولا تعسّروا وأسكنوا ولا تنفّروا ، خير
__________________
(١) سورة البقرة ، الآية : ١٠٩.
(٢) سورة المائدة ، الآية : ١٣.
(٣) سورة الاعراف ، الآية : ١٩٩.
(٤) سورة القلم ، الآية : ٤٣.