خطاب من لا يفهم الخطاب لا يحسن ؛ فلا بدّ من أن يكون قبيحا ؛ اللهم إلّا أن يقال : إنّه لم يكن هناك قول في الحقيقة ولا خطاب ؛ وإنّما كنّى تعالى عن إهباطه لهم بالقول ؛ كما يقول أحدنا : قلت : فلقيت الأمير ، وقلت : فضربت زيدا ، وإنّما يخبر عن الفعل دون القول ؛ وهذا خلاف الظاهر وإن كان مستعملا.
وفي هذا الوجه بعد من وجه آخر ؛ وهو أنّه لم يتقدّم للحيّة ذكر في نصّ القرآن ، والكناية عن غير مذكور لا تحسن إلّا بحيث لا يقع لبس ، ولا يسبق وهم إلى تعلّق الكناية بغير مكنّى عنه ؛ حتى يكون ذكره كترك ذكره في البيان عن المعنى المقصود ، مثل قوله تعالى : (حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ) (١) ؛ و (كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ) (٢) وقول الشاعر :
أماويّ ما يغني الثّراء عن الفتى |
|
إذا حشرجت يوما ؛ وضاق بها الصّدر (٣) |
فأمّا بحيث لا يكون الحال على هذه فالكناية عن غير مذكور قبيحة.
ورابعها : أن يكون الخطاب يختصّ آدم وحواء عليهماالسلام ، وخاطب الاثنين بالجمع على عادة العرب في ذلك ؛ لأنّ التثنية أوّل الجمع ؛ قال الله تعالى : (إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شاهِدِينَ) (٤) ، أراد لحكم داود وسليمان عليهماالسلام ؛ وكان بعض أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يتأول قوله تعالى : (فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ) (٥) على معنى فإن كان له أخوان ؛ قال الراعي :
أخليد إنّ أباك ضاف وساده |
|
همّان باتا جنبة ودخيلا (٦) |
طرقا فتلك هماهمي أقريهما |
|
قلصا لواقح كالقسيّ وحولا |
فعبّر بالهماهم وهي جمع عن الهمين ؛ وهما اثنان.
__________________
(١) سورة ص ، الآية : ٣٢.
(٢) سورة الرحمن ، الآية : ٢٦.
(٣) البيت لحاتم.
(٤) سورة الأنبياء ، الآية : ٧٨.
(٥) سورة النساء ، الآية : ١١.
(٦) جمهرة الأشعار : ٣٥٣. وفي حاشية بعض النسخ : «خليدة ابنته فرخم ، وضافه : نزل به. جنبه أي ناحية. ودخيلا : داخلا في الفؤاد. قال ابن الأعرابي : أراد : هما داخل القلب ، وآخر قريبا من ذلك ؛ كالضيف إذا حلّ بالقوم فأدخلوه فهو دخيل ؛ وإن كان بفنائهم فهو جنبة».