يدعيه من ذهب إلى هذا المذهب قد كان يجب أن يجيبهم عن سؤالهم ، وينكر عليهم الاستفهام في غير موضعه ، وتفريطهم فيما أمروا به ؛ ممّا لا حاجة بهم إلى الاستفهام عنه ، فيقول في جواب قولهم : «ما هى» إنّما كلّفتم أيّ بقرة شئتم ، وما يستحقّ اسم بقرة ، وقد فرّطتم في ترك الامتثال ، وأخطأتم في الاستفهام مع وضوح الكلام إلّا أنكم قد كلّفتم ثانيا كذا وكذا ، لأنّ هذا ممّا يجب عليه بيانه ؛ لإزالة الشكّ والإبهام واللبس ؛ فلمّا لم يفعل ذلك ، وأجاب بالجواب الذي ظاهره يقتضي التعلّق بالسؤال علم أنّ الأمر على ما ذكرناه. وهب أنّه لم يفعل ذلك في أوّل سؤال ، كيف لم يفعله مع تكرار الأسئلة والاستفهامات التي لم تقع على هذا المذهب بموقعها؟ ومع تكرّر المعصية والتفريط كيف يستحسن أن يكون جميع أجوبته غير متعلّقة بسؤالاتهم؟ لأنّهم يسألونه عن صفة شيء فيجيبهم بصفة غيره من غير بيان ؛ بل على أقوى الوجوه الموجبة لتعلّق الجواب بالسؤال ؛ لأنّ قول القائل في جواب من سأله ما كذا وكذا؟ إنّه بالصفة الفلانية صريح في أنّ الهاء كناية عمّا وقع السؤال عنه ؛ هذا مع قولهم : إنّ البقر تشابه علينا ، لأنّهم لم يقولوا ذلك إلّا وقد اعتقدوا أن خطابهم مجمل غير مبيّن ، فلم لم يقل : أيّ تشابه عليكم إذ إنّما أمرتم في الابتداء بأيّ بقرة كانت ، وفي الثاني بما اختصّ باللون المخصوص من أيّ البقر كان؟
فإن قيل : كيف يجوز أن يأمرهم بذبح بقرة لها جميع الصفات المذكورة إلى آخر الكلام ولا يبيّن ذلك لهم ، وهل هذا إلّا تكليف ما لا يطاق!.
قلنا : لم يرد منهم أن يذبحوا البقرة في الثاني من حال الخطاب ؛ ولو كانت حال الفعل حاضرة لما جاز أن يتأخّر البيان ، لأنّ تأخيره عن وقت الحاجة هو القبيح الذي لا شبهة في قبحه ، وإنّما أراد أن يذبحوها في المستقبل ، فلو لم يستفهموا ويطلبوا البيان لكان قد ورد عليهم عند الحاجة إليه.
فإن قيل : إذا كان الخطاب غير متضمّن لصفة ما أمروا بذبحه ، فوجوده كعدمه ، وهذا يخرجه من باب الفائدة ، ويوجب كونه عبثا!
قلنا : ليس يجب ما ظننتم ؛ لأنّ القول وإن كان لم يفد صفة البقرة بعينها