فقد أفاد تكليف ذبح بقرة على سبيل الجملة ؛ ولو لم يكن ذلك معلوما قبل هذا الخطاب ، لصار مفيدا من حيث ذكرنا ، وخرج من أن يكون وجوده كعدمه.
وفوائد الكلام لا يجب أن يدخلها الاقتراح ، وليس يخرج الخطاب من تعلّقه ببعض الفوائد كونه غير متعلّق بغيرها ، وبما هو زيادة عليها.
فإن قيل : ظاهر قوله تعالى : (فَذَبَحُوها وَما كادُوا يَفْعَلُونَ) يدلّ على استبطائهم وذمّهم على التقصير في امتثال الأمر!.
قلنا : ليس ذلك صريح ذمّ ، لأنّ «كادوا» للمقاربة ، وقد يجوز أن يكون التكليف صعب عليهم لغلاء ثمن البقرة التي تكاملت لها تلك الصفات ، فقد روي أنّهم ابتاعوها بملء جلدها ذهبا.
على أنّ الذمّ يقتضي ظاهره أن يصرف إلى تقصيرهم أو تأخيرهم امتثال الأمر بعد البيان التامّ ، لأنّ قوله تعالى : (وَما كادُوا يَفْعَلُونَ) إنّما ورد بعد تقدّم البيان التامّ المتكرّر ، ولا يقتضى ذمّهم على ترك المبادرة في الأوّل إلى ذبح بقرة ، فليس فيه دلالة على ما يخالف ما ذكرناه.
فإن قيل : لو ثبت تقديرا أنّ التكليف في البقرة متغاير ، أيّ القولين اللّذين حكيتموهما عن أهل هذا المذهب أصحّ وأشبه؟
قلنا : قول من ذهب إلى أنّ البقرة إنّما يجب أن تكون بالصفة الأخيرة فقط ، لأنّ الظاهر به أشبه ؛ من حيث إذا ثبت تغاير التكليف. وليس في قوله : (إِنَّها بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ) إلى آخر الأوصاف ذكر لما تقدّم من الصفات ، وهذا التكليف غير الأوّل ، فالواجب اعتبار ما تضمّنه لفظه والاقتصار عليه.
فأمّا «الفارض» فهي المسنّة ، وقيل : هي العظيمة الضخمة ؛ يقال : غرب فارض ، أي ضخم ، والغرب الدلو ؛ ويقال أيضا : لحية فارضة ؛ إذا كانت عظيمة : والأشبه بالكلام أن يكون المراد المسنّة.
فأما «البكر» فهي الصغيرة التي لم تلد ، فكأنّه تعالى قال : غير مسنّة ، ولا صغيرة.