والمعنى أنّه لو لا حكم الله وإذنه في الفرقة بين هذين الزوجين باختلاف الملّة لم يكونوا ضارّين له هذا الضّرب من الضرر الحاصل عند الفرقة ؛ ويقوّي هذا الوجه ما روي أنّه كان من دين سليمان ؛ أنّه من سحر بانت امرأته.
فأمّا قوله تعالى : (وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ ،) ففيه وجوه :
أوّلها : أن يكون الذين علموا غير الذين لم يعلموا ، ويكون الذين علموا الشياطين أو الذين خبّر عنهم بأنّهم نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم ، كأنّهم لا يعلمون ، واتّبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان ، والذين لم يعلموا هم الذين تعلّموا السحر ، وشروا به أنفسهم.
وثانيها : أن يكون الذين علموا هم الذين لم يعلموا ؛ إلّا أنهم علموا شيئا ولم يعلموا غيره ، فكأنّه تعالى وصفهم بأنّهم عالمون بأنّه لا نصيب لمن اشترى ذلك ورضيه لنفسه على الجملة ، ولم يعلمه كنه ما يصير إليه من عقاب الله الذي لانفاد له ولا انقطاع.
وثالثها : أن تكون الفائدة في نفى العلم بعد إثباته أنّهم لم يعملوا بما علموا ، فكأنّهم لم يعلموا ، وهذا كما يقول أحدنا لغيره : ما أدعوك إليه خير لك وأعود عليك ؛ لو كنت تعقل وتنظر في العواقب ، وهو يعقل وينظر في العواقب ، إلّا أنه لا يعمل بموجب علمه ، فحسن أن يقال له مثل هذا القول ؛ قال كعب بن زهير يصف ذئبا وغرابا تبعاه ؛ ليصيبا من زاده :
إذا حضراني قلت : لو تعلمانه |
|
ألم تعلما أنّي من الزاد مرمل (١) |
فنفى عنهما العلم ، ثمّ أثبته بقوله : «ألم تعلما» ، وإنّما المعنى في نفيه العلم عنهما أنّهما لم يعملا بما علماه فكأنّهما لم يعلماه.
ورابعها : أن يكون المعنى أنّ هؤلاء القوم الذين قد علموا أنّ الآخرة لا حظّلهم فيها مع عملهم القبيح ، إلّا أنّهم ارتكبوه طمعا في حطام الدنيا وزخرفها
__________________
(١) ديوانه : ٥١. المرمل : الذي نفد زاده.