الأرض وأعاليها ؛ فإنّ من هبط من نجد البلاد إلى غورها يقال : نزل وهبط ، وما جرى هذا المجرى. فأمّا قوله تعالى : (وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) فيحتمل وجوها :
منها : أن يريد بالإذن العلم ، من قولهم : آذنت فلانا بكذا إذا أعلمته ، وأذنت لكذا إذا استمعته وعلمته ، قال الشاعر :
في سماع يأذن الشّيخ له |
|
وحديث مثل ماذيّ مشار (١) |
ومنها : أن تكون «إلّا» زائدة ، فيكون المعنى : وما هم بضارّين به من أحد بإذن الله ، ويجرى مجرى قول أحدنا : لقيت زيدا إلّا أني أكرمته ، أي لقيت زيدا فأكرمته.
ومنها : أن يكون أراد بالإذن التخلية وترك المنع ، فكأنّه أفاد بذلك أنّ العباد لن يعجزوه ، وما هم بضارّين أحدا إلّا بأن يخلّي الله تعالى بينهم وبينه ، ولو شاء لمنعهم بالقهر والقسر ، زائدا على منعهم بالزجر والنهي.
ومنها : أن يكون الضرر الذي عنى أنّه لا يكون إلّا بإذنه ، وأضافه إليه هو ما يلحق المسحور من الأدوية والأغذية التي يطعمه إياها السّحرة ويدّعون أنّها موجبة لما يقصدونه فيه من الأمور ؛ ومعلوم أنّ الضرر الحاصل عن ذلك من فعل الله تعالى بالعادة ؛ لأنّ الأغذية لا توجب ضرّا ولا نفعا ، وإن كان المعرضّ للضرر من حيث كان كالفاعل له هو المستحقّ للذم ، وعليه يجب العوض.
ومنها : أن يكون الضرر المذكور إنّما هو يحصل عن التفريق بين الأزواج ؛ لأنّه أقرب إليه في ترتيب الكلام ؛ والمعنى أنّهم إذا أغووا أحد الزوجين ، وكفر فبانت منه زوجته ، فاستضرّ بذلك كانوا ضارّين له بما حسّنوه له من الكفر ، إلّا أنّ الفرقة لم تكن إلّا بإذن الله وحكمه ؛ لأنّه تعالى هو الذي حكم وأمر بالتفريق بين المختلفي الأديان ؛ فلهذا قال : (وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ)
__________________
(١) البيت في اللسان (أذن) ، ونسبه إلى عدي بن زيد. الماذي : العسل الأبيض. والمشار : المجنى ، ويقال : شرت العسل واشترته وأشرته ، إذا جنيته.