(وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شاهِدِينَ) (١) ، يعنى حكم داود وسليمان عليهماالسلام.
ويكون قوله على هذا التأويل : (وَما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ) راجعا إلى هاروت وماروت اللذين هما من الشياطين ، أو من الإنس المتعلّمين للسحر من الشياطين والعاملين به. ومعنى قولهم : (نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ) يكون على طريق الاستهزاء والتماجن والتخالع ، كما يقول الماجن من الناس إذا فعل قبيحا أو قال باطلا : هذا فعل من لا يفلح ، وقول من لا ينجب ، والله ما حصلت إلّا على الخسران ؛ وليس ذلك منه على سبيل النّصح للناس وتحذيرهم من مثل فعله ، بل على وجه المجون والتهالك.
ويجوز أيضا على هذا التأويل الذي يتضمّن النفي والجحد أن يكون هاروت وماروت اسمين لملكين ، ونفى عنهما إنزال السحر بقوله : (وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبابِلَ) ويكون قوله : (وَما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ) يرجع إلى قبيلتين من الجنّ أو إلى شياطين الجنّ والإنس ، فتحسن التثنية لهذا.
وقد روى هذا التأويل الأخير في حمل «وما» على النفي عن ابن عباس وغيره من المفسّرين.
وروي عنه أيضا أنّه كان يقرأ : (وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ) بكسر اللام ، ويقول : متى كان العلجان ملكين! بل كانا ملكين ؛ [وعلى هذه القراءة لا ينكر أن يرجع قوله : (وَما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ) إليهما].
ويمكن على هذه القراءة في الآية وجه آخر وإن لم يحمل قوله : (وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ) على الجحد والنفي : وهو أن يكون هؤلاء الذين أخبر عنهم اتّبعوا ما تتلوا الشياطين وتدّعيه على ملك سليمان ، واتّبعوا ما أنزل على هذين الملكين من السحر ، ولا يكون الإنزال مضافا إلى الله تعالى ، وإن أطلق ؛ لأنّه جلّ وعز لا ينزل السحر ؛ بل يكون منزله إليهما بعض الضّلال العصاة ، ويكون معنى «أنزل» ـ وإن كان من الأرض ـ حمل إليهما لا من السماء أنّه أتي به من نجود
__________________
(١) سورة الأنبياء ، الآية : ٧٨.