الملكان ، ويكون المعنى أنّهم يعدلون عمّا علّمهم ووقفهم عليه الملكان من النهي عن السحر إلى تعلّمه واستعماله ؛ كما يقول القائل : ليت لنا من كذا وكذا كذا! أي بدلا منه ، وكما قال الشاعر :
جمعت من الخيرات وطبا وعلبة |
|
وصرّا لأخلاف المزمّمة البزل |
ومن كلّ أخلاق الكرام نميمة |
|
وسعيا على الجار المجاور بالمحل |
يريد جمعت مكان الخيرات ، ومكان أخلاق الكرام هذه الخصال الذميمة.
وقوله : (ما يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ) فيه وجهان :
أحدهما : أن يكونوا يغوون أحد الزوجين ، ويحملونه على الكفر والشرك بالله تعالى ، فيكون بذلك قد فارق زوجه الآخر المؤمن المقيم على دينه ، فيفرّق بينهما اختلاف النّحلة والملّة.
والوجه الآخر : أن يسعوا بين الزّوجين بالنميمة والوشاية والإغراء والتمويه بالباطل ؛ حتى يؤول أمرهما إلى الفرقة والمباينة.
وثالث الوجوه : في الآية أن يحمل «ما» في قوله : (وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ) على الجحد والنفي ، فكأنه تعالى قال : (وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ وَما كَفَرَ)، ولا أنزل الله السحر على الملكين ، (وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبابِلَ هارُوتَ وَمارُوتَ) ويكون قوله : (بِبابِلَ هارُوتَ وَمارُوتَ) من المؤخّر الذي معناه التقديم ، ويكون ـ على هذا التأويل ـ هاروت وماروت رجلين من جملة الناس ، هذان أسماهما ؛ وإنّما ذكرا بعد ذكر الناس تمييزا وتبيينا ، ويكون الملكان المذكوران اللذان نفى عنهما السحر جبرائيل وميكائيل عليهماالسلام ؛ [لأنّ سحرة اليهود ـ فيما ذكر ـ كانت تدّعي أن الله تعالى أنزل السحر على لسان جبرائيل وميكائيل] إلى سليمان بن داود عليهالسلام ، فأكذبهما الله تعالى بذلك.
ويجوز أن يكون هاروت وماروت يرجعان إلى الشياطين ، كأنّه قال : ولكن الشياطين : هاروت وماروت كفروا ؛ ويسوغ ذلك كما ساغ في قوله تعالى :