حجّة وصوابا على ما ألزمتموناه ولا يكون إجماع جميع أهل كلّ عصر كذلك؟ لأنّ هذا ممّا لم ينكر كما لم يكن منكرا عند خصومنا أن يكون إجماع أهل العصر حجّة وصوابا ، وإن لم يكن اجتماع كلّ فرقة من فرقهم كذلك.
فإن قيل : بأيّ شيء يشهد جميعهم ، وهم لا يصحّ أن يشاهدوا كلّهم شيئا واحدا فيشهدوا به؟
قيل : قد تصحّ الشهادة بما لا يشاهد من المعلومات ، كشهادتنا بتوحيد الله عزوجل ، وعدله ، ونبوّة الأنبياء عليهمالسلام إلى غير ذلك ممّا يكثر تعداده.
ولو قيل أيضا : فعلى من تكون الشهادة إذا كان المؤمنون جميعا في الأعصار (١) هم الشهداء؟.
قلنا : تكون شهادتهم على من لا يستحق الثواب ، ولا يدخل تحت القول من الأمّة ، ويصحّ أيضا أن يشهدوا على باقي الأمم الخارجين عن الملّة ، وكلّ هذا غير مستبعد.
وممّا يمكن أن يقال في أصل تأويل الآية : ان قوله تعالى (جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً) ـ إذا سلم أن المراد جعلناكم عدولا خيارا ـ لا يدلّ أيضا على ما يريده الخصم ؛ لأنّه لم يبيّن هل جعلهم عدولا في كلّ أقوالهم وأفعالهم أو في بعضها؟ والقول محتمل وممكن أن يكون أراد تعالى أنهم عدول فيما يشهدون به في الآخرة ، أو في بعض الأحوال ، فإن رجع راجع إلى أن يقول : إطلاق القول إنّما يقتضي العموم ، وليس هو بأن يحمل على بعض الأحوال أو الأقوال أولى من بعض ، فقد مضى الكلام على ما يشبه هذا مستقصى (٢).
فأمّا حمل الأمّة على النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم في باب الشهادة ، وكونه حجّة فيها ، فلم يكن قول النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم حجّة من حيث كان شهيدا ، بل من حيث كان نبيّا معصوما فتشبيه أحد الأمرين بالآخر من البعيد.
__________________
(١) خ «إذا كان جميع المؤمنين في الأعصار».
(٢) سيأتي في سورة النساء ، الآية : ١١٥.