وممّا يسقط التعلّق بالآية أيضا أن قوله تعالى : (لِتَكُونُوا شُهَداءَ) يقتضي حصول كلّ واحد منهم بهذه الصفة ؛ لأنّ ما جرى هذا المجرى من الأوصاف لا بدّ أن يكون حال الواحد فيه كحال الجماعة ، ألا ترى أنّه لا يسوغ أن يقال في جماعة : إنّهم مؤمنون إلّا وكلّ واحد منهم مؤمن؟ ، فكذلك لا يسوغ أن يقال : انّهم شهداء إلّا وكلّ واحد منهم شهيد ؛ لأنّ شهداء جمع شهيد ، كما أنّ مؤمنين جمع مؤمن ، وهذا يوجب أن يكون كلّ واحد منهم ـ أعني من الأمّة ـ حجّة مقطوعا على صواب فعله وقوله ، وإذا لم يكن هذا مذهبا لأحد ، وكان استدلال الخصوم بالآية يوجبه فسد قولهم ، ووجب صرف الآية إلى جماعة يكون كلّ واحد منهم شهيدا وحجّة ، وهم الأئمّة عليهمالسلام الّذين ثبتت عصمتهم وطهارتهم.
على أنّ الآية لو تجاوزنا عن جميع ما ذكرناه فيها لا يقتضي كون جميع أقوال الأمة وأفعالها حجّة ؛ لأنها غير مانعة من وقوع الصغائر التي لا تسقط العدالة منهم ، فإن أمكن تمييز الصغائر من غيرها كانوا حجّة فيما قطع عليه ، وإن لم يمكن علم في الجملة أنّ الخطأ الذي يكون كثيرا ويؤثر في العدالة مأمون منهم ، وغير واقع من جهتهم ، وإن ما عداه يجوز عليهم ، فيسقط مع ما ذكرناه تعلّق المخالفين بالآية في نصرة الاجماع.
فأمّا قوله في نصرة هذه الطريقة : «أن كونهم عدولا كالعلّة والسبب في كونهم شهداء ، وأنّه قد صحّ في التعبّد أنّه لا يجوز أن ينصب للشهادة إلّا من تعلم عدالته ، أو يعرف بالأمارات التي يقتضي غالب الظنّ ، وصحّ أن من ننصبه بغالب (١) الظن إذا تولّى الله تعالى نصبه يجب أن يعلم من حاله ما نظنّه ، فإذا ثبت ذلك لم يخل من أن يكونوا حجّة فيما يشهدون أو لا يكونوا ، فإن لم يكونوا حجّة بطلت شهادتهم ؛ لأنّ من حقّ الشاهد إذا أخبر عمّا يشهد به أن يكون خبره حقّا ، وإن لم يجر مجرى الشهادة فلا بدّ من أن يكون قولهم وفعلهم صحيحا ، ولا يكون كذلك إلّا وهم حجّة ، وليس بعض أقوالهم وأفعالهم بذلك أولى من
__________________
(١) خ «لغالب».