بعض» (١) ، فلو سلم له جميع ما ذكره لم يلزم الاحتجاج به ، ولا أن يكونوا حجّة في جميع أقوالهم وأفعالهم ؛ لأن أكثر ما تدلّ عليه الآية فيهم أن يكونوا عدولا رشّحوا للشهادة ، فالواجب أن ينفى عنهم ما جرى شهادتهم ، وأثّر في عدالتهم ، دون ما لم يكن بهذه المنزلة.
وإذا كانت الصغائر على مذهب صاحب الكتاب غير مخرجة (٢) عن العدالة لم يجب بمقتضى الآية نفيها عنهم ، وبطل قوله : انّه ليس بعض أقوالهم وأفعالهم أولى من بعض» لأنّا قد بيّنا فرق ما بين الأفعال المسقطة للعدالة والأفعال التي لا تسقطها.
فأما قوله : «ويخالف حالهم حال الرسول عليهالسلام لأنّ ما يجوز (٣) عليه من الصغائر لا يخرج ما يؤديه عن الله تعالى مما هو الحجّة فيه من أن يكون متميّزا ، فيصحّ كونه حجّة ، وليس كذلك لو جوّزنا على الأمة الخطأ في بعض ما تقوله وتفعله ؛ لأنّ ذلك يوجب خروج كلّ ما تجتمع عليه من أن يكون حجّة ؛ لأنّ الطريقة في الجميع واحدة» (٤) فيسقط بما ذكرناه ؛ لأنّه إذا كان تجويز الصغائر على الرسول لا يخرجه فيما يؤديه من أن يكون حجّة ، ويتميّز ذلك للمكلّف ، فكذلك إذا كانت الآية إنّما تقتضي كون الأمة عدولا فيجب نفي ما أثر في عدالتهم ، والقطع بانتفاء الكبير من المعاصي عنهم وتجويز ما عداها عليهم ، ولا يخرجهم هذا التجويز من أن يكونوا حجّة فيما لو كان خطأ لكان كبيرا ، وقد يصحّ تمييز ذلك على وجه ؛ فإنّ في المعاصي (٥) ما نقطع على كونها كبائر ، ولو لم يكن إلى تمييزه سبيل لصحّ الكلام أيضا من حيث كان الواجب علينا اعتقاد نفي الكبائر عنهم ، وتجويز الصغائر ، وإنّ شهادتهم بما لو لم يكن حقّا لكانت الشهادة به كبيرة لا تقع منهم وإن جاز وقوع ما لم يبلغ هذه المنزلة ، ويكون هذا الاعتقاد ممّا يجب علينا على سبيل الجملة ، وإن تعذر علينا تفصيل أعمالهم
__________________
(١) المغني ١٧ : ١٧٨ مع اختلاف يسير.
(٢) خ «غير مقتضية الخروج».
(٣) في المغني «لان ما نجوزه».
(٤) المغني ١٧ : ١٧٨.
(٥) خ «من المعاصي».