القرآن وسنّة النبيّ والإجماع الّذي يرى أهل السنّة أنّه مبتن على الأدلة القرآنية والروائية مورد شكّ وريب.
لذلك نجد أنّ هذه المدرسة ترى أنّ حكم العقل مقدّم على بقيّة الأدلّة الأخرى. ولهذا فإن كان للعقل حكم في مسألة ما وتعارض هذا الحكم مع مؤدّى الأدلّة الأخرى ، فإن كان هناك دليل آخر له احتمال يتوافق وحكم العقل ، فإنّه يحمل على ذلك الاحتمال ، وإن لم يكن لهذا الدليل أيّ احتمال آخر فندع ظاهره ، ويؤول استنادا إلى الحكم القطعي للعقل.
إن اهتمام المدرسة البغدادية بهذا المصدر كان من الأهميّة الفائقة ما دفع بعض الجهّال أو المغرضين إلى اتّهام أكابر من قبيل السيّد المرتضى ـ خطأ ـ بالإعتزال أو اتّهام المدرسة البغدادية بالتأثّر بالمنهج الفكري للمعتزلة.
إنّ هكذا زعم لا يمكن لهذا البحث التفصيل فيه لأنه خارج عن موضوعه ، لكن خلاصة القول هو أنّ مؤلّفات السيّد المرتضى في الردّ على المعتزلة خير دليل على بطلان الادّعاء المذكور ، أضف إلى ذلك أنّ تأثّر شيوخ المعتزلة بأئمّة الشيعة وأفكارهم النيّرة في الكثير من الآراء مسألة قطعية لا تحتاج إلى دليل وبرهان.
٢ ـ القرآن الكريم يمثل المصدر المهم الثاني الّذي تؤمن به هذه المدرسة فالكثير من التراث الّذي تركته هذه المدرسة إنّما هو في مباحث هذا الكتاب العزيز. فاهتمام السيّد المرتضى بالقرآن الكريم ينصب في ثلاثة مجالات :
١ ـ الآيات الّتي تمسّك المخالفون بظاهرها لإثبات بعض الأصول أو الأحكام والّتي يرفضها الشيعة ، وهنا لا بدّ وأن يتمّ نقد تأويل المخالفين أولا ثمّ يشار إلى التأويل الصحيح.
٢ ـ الآيات الّتي يمكن الاستناد إليها لإثبات مدّعى المخالفين هذا رغم انهم غفلوا عنها ، وفي هذا المجال يتمّ طرح الآيات ومن ثمّ نستوحي الإجابة من خلالها ، ثمّ يتمّ بيان التأويل الصحيح.