أراد نائحة عليهم ، ومثله قول الشاعر :
هريقى من دموعهم سجاما |
|
ضباع (١) وجاوبي نوحا قياما |
والوجه الثاني : أنّ العرب قد تخبر عن الاسم بالمصدر والفعل ، وعن المصدر بالاسم ، فأمّا إخبارهم عن المصدر بالاسم فقوله تعالى : (وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ)، وقول العرب : إنّما البرّ الذي يصل الرحم ويفعل كذا وكذا ، وأمّا إخبارهم عن الاسم بالمصدر والفعل فمثل قول الشاعر :
لعمرك ما الفتيان أن تنبت اللّحى |
|
ولكنّما الفتيان كلّ فتى ند (٢) |
فجعل «أن تنبت» وهو مصدر خبرا عن الفتيان.
والوجه الثالث : أن يكون المعنى : ولكن البرّ برّ من آمن ؛ فحذف البرّ الثاني ، وأقام «من» مقامه ؛ كقوله تعالى : (وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ) (٣) ، أراد : حبّ العجل ، قال الشاعر :
وكيف تواصل من أصبحت |
|
خلالته كأبي مرحب (٤) |
أراد : كخلالة أبي مرحب ؛ وقال النابغة :
وقد خفت حتّى ما تزيد مخافتي |
|
على وعل في ذي المطارة عاقل (٥) |
أراد على مخافة وعل. وتقول العرب : بنو فلان يطؤهم الطريق ، أي أهل
__________________
(١) ضباع : اسم امرأة ؛ وأصله : «ضباعة».
(٢) البيت للنابغة ، وقد مر ذكره في تفسير الآية ١٧٧ من هذه السورة ، وانظر ما سبق في تفسيره.
(٣) سورة البقرة ، الآية : ٩٣.
(٤) خلالته : مودته ، وأبو مرحب كناية عن الظل ، والبيت للنابغة الجعدي ، وقبله :
وبعض الأخلّاء عند البلا |
|
ء والرّزء أزوغ من ثعلب |
وانظر اللسان (رحب).
(٥) ديوانه : ٦٤ ، ومعجم البلدان : ٤ / ٨٤. وذو المطارة : اسم جبل ؛ وعاقل : متحصنو ، وفي حواشي بعض النسخ : «يمكن أن تجعل «ما» في البيت زيادة ، والتقدير : حتى تزيد : ويمكن أن يكون على القلب ؛ أي ما تزيد مخافة وعل على مخافتي ؛ وهو كثير ، والوعل : الضأن الوحشي».