إلّا وجوب القسم الأخير وهو التمتع الذي ذهبنا إليه ، فإن قيل : قد نهى عن هذه المتعة مع متعة النساء عمر بن الخطاب وأمسكت الأمة عنه راضية بقوله (١).
قلنا : نهي من ليس بمعصوم عن الفعل لا يدلّ على قبحه ، والامساك عن النكير لا يدلّ عند أحد من العلماء على الرضا إلّا بعد أن يعلم أنّه لا وجه له إلّا الرضا ، وقد بيّنا ذلك وبسطناه في كثير من كتبنا.
وبعد فان الفقهاء والمحصّلين من مخالفينا حملوا نهي عمر عن هذه المتعة على وجه الاستحباب لا على الحظر ، وقالوا في كتبهم المعروفة المخصوصة بأحكام القرآن : إنّ نهي عمر يحتمل أن يكون لوجوه : منها : أنّه أراد أن يكون الحج في أشهر المخصوصة به والعمرة في غير تلك الشهور. ومنها : أنّه أحب عمارة البيت وأن يكثر زوّاره في غير الموسم. ومنها : أنّه أراد إدخال المرفق على أهل الحرم بدخول الناس إليهم.
ورووا في تقوية هذه المعاني أخبارا موجودة في كتبهم لا معنى للتطويل بذكرها ، وفيهم من حمل نهي عمر عن المتعة على فسخ الحج إذا طاف له قبل يوم النحر.
وقد روي عن ابن عباس رحمهالله عليه أنّه كان يذهب إلى جواز ذلك (٢) وأنّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم كان أمر أصحابه في حجّة الوداع بفسخ الحج من كان منهم لم يسق هديا ولم يحل هو عليهالسلام ؛ لأنّه كان ساق الهدي (٣) ، وزعموا أنّ ذلك منسوخ بقوله تعالى : (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ) وهذا التأويل الثاني بعيد من الصواب ؛ لأنّ فسخ الحجّ لا يسمّى متعة ، وقد صارت هذه اللفظة بعرف الشرع مخصوصة بمن ذكرنا حاله وصفته.
وأمّا التأويل الأوّل فيبطله قوله : أنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما ، وتشدده في ذلك وتوعّده يقتضي أن لا يكون القول خرج مخرج الاستحباب ، على أنّ
__________________
(١) موطأ مالك ، ١ : ٣٤٤.
(٢) المغني (لابن قدامة) ، ٧ : ٥٧٢.
(٣) صحيح البخاري ، ٢ : ١٧٧.