وهذا أحد ما يدلّ على أنّه تعالى ليس بجسم ، وأنّه لا يحتاج في فعل الكلام إلى آلة ؛ لأنّه لو كان بهذه الصفات ـ تعالى عنها ـ لما جاز أن يخاطب اثنين في وقت واحد بمخاطبتين مختلفتين ؛ ولكان خطاب بعض الناس يشغله عن خطاب غيره ، ولكانت مدة محاسبته للخلق على أعمالهم طويلة غير قصيرة ؛ كما أن جميع ذلك واجب في المحدثين الذين يفتقرون في الكلام إلى الآلات.
وثالثها : ما ذكره بعضهم من أنّ المراد بالآية أنّه سريع العلم بكل محسوب ، وأنّه لما كانت عادة بني الدنيا أن يستعملوا الحساب والإحصاء في أكثر أمورهم ؛ أعلمهم الله تعالى أنّه يعلم ما يحسبون بغير حساب ؛ وإنّما سمّى العلم حسابا لأنّ الحساب إنّما يراد به العلم ؛ وهذا جواب ضعيف ؛ لأنّ العلم بالحساب أو المحسوب لا يسمّى حسابا ، ولو سمّى بذلك لما جاز أيضا أن يقال إنّه سريع العلم بكذا ؛ لأنّ علمه بالأشياء ممّا لا يتجدّد فيوصف بالسرعة.
ورابعها : أنّ الله تعالى سريع القبول لدعاء عباده والإجابة لهم ؛ وذلك أنّه يسأل في وقت واحد سؤالات مختلفة من أمور الدنيا والآخرة ، فيجزى كلّ عبد بمقدار استحقاقه ومصلحته ، فيوصل إليه عند دعائه ومسألته ما يستوجبه بحدّ ومقدار ؛ فلو كان الأمر على ما يتعارفه الناس لطال العدد واتصل الحساب ، فأعلمنا تعالى أنّه سريع الحساب ، أي سريع القبول للدعاء بغير احساس وبحث عن المقدار الذي يستحقّه الداعي ؛ كما يبحث المخلوقون للحساب والإحصاء ، وهذا جواب مبنيّ أيضا على دعوى أنّ قبول الدعاء لا يسمّى حسابا في لغة ولا عرف ولا شرع. وقد كان يجب على من أجاب بهذا الجواب أن يستشهد على ذلك بما يكون حجّة فيه ، وإلّا فلا طائل فيما ذكره.
ويمكن في الآية وجه آخر : وهو أن يكون المراد بالحساب محاسبة الخلق على أعمالهم يوم القيامة وموافقتهم عليها ، وتكون الفائدة في الإخبار بسرعته الإخبار عن قرب الساعة ؛ كما قال تعالى : (سَرِيعُ الْعِقابِ).
وليس لأحد أن يقول : فهذا هو الجواب الأوّل الذي حكيتموه ؛ وذلك أنّ